صلاح العزي .. جديد الجراح
علي احمد جاحز
من فصول البلوى التي نمر بها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا النضالي ، رحيل الرجال النادرين في أكثر الأوقات احتياجا لهم ولدورهم الذي من الصعب القيام به بنفس الروحية العالية ، ولعل رحيل الرجل النادر صلاح العزي جديد تلك الجراح وتلك الفواجع.
رحيل صلاح العزي ذكرني برحيل الخيواني ، كلاهما رحل فجأة في الوقت الذي كنت فيه وكان الكثيرون غيري نشعر بأن وجودهما أمر غاية في الأهمية في هذه المرحلة الفاصلة ، وكما لم استوعب رحيل الخيواني إلا بعد شهور طويلة ، أيضاً لم استوعب بعد رحيل صلاح العزي و اشعر أنني بحاجة أن اتصل به وان أتحدث إليه وان أشكو إليه رحيله والفراغ الذي تركه ليس في يومياتي أنا وحسب بل في تفاصيل يومية يعيشها الكثيرون .
كان آخر عهدي بالصديق العزيز الأستاذ الشهيد صلاح العزي حين اتصل بي عصر السبت الماضي يطلب مني أن لا أنسى تفريغ مقتطفات من خطاب السيد القائد كالعادة قبل أي خطاب للسيد عبدالملك يطلب مني ذلك للتأكيد علي فقط ، تحدثنا قليلا ولمست في حديثه الود والصدق والمحبة التي ألمسها عادة كلما تحدثت إليه بالهاتف أو كلما التقيته .
مطلع الأسبوع المنصرم حصل سوء فهم بيني وبين صلاح دفعني إلى أن اقسو عليه في الكلام ولأول مرة في تاريخ علاقتنا الحميمة ، قسوتي عليه التي بلغت حد الظلم قوبلت من طرف صلاح بالصمت والصبر ودفن الألم بداخله ، وهو ما جعلني اشعر بالذنب والحزن والأسف الشديد ، جئت اعتذر له بصادق الأسف والندم طالبا العفو ، فوجدته ذلك الملاك النقي الذي قابل الاعتذار ببشاشة وسعادة وحب وصدق جعلتني اخجل منه أكثر.
كان صادقا حين قال لي : اقسم بالله اني ما حملت عليك في قلبي ذرة حقد أوغل ، بل وأضاف: ” إنا اعتذر منك لأني جعلتك تعصب وأنت تظل في نظري الأستاذ والأخ والصديق الذي نتعلم منه و نستفيد من نصحه ” .. لا أخفيكم القول انه انزل بي اشد العقاب حين سمعت منه كل هذا التسامح والنقاء وهو عقاب أسعدني وشعرت بأنه غسلني من أدران الغل والضغينة التي تلصق أحياناً بالنفس لحظة غضب وسوء ظن .
الذي لا يعرف صلاح العزي ربما يستغرب من كل هذا الحزن الذي خيم على نفوس أناس كثيرين عرفوه إما بالاحتكاك به أو بالاحتكاك بنشاطه أو بما سمعوه عنه ، وسمُعته وحدها تكفي ليكون في نظر الناس أنموذجا للرجل العصامي المناضل الصادق المخلص المحب للصدق وللإخلاص ، المبدع الملهم الذي ينكر ذاته ويعتبر إبداعه وإلهامه للكثيرين مجرد واجب ناقص يسعى لإكماله و تحسينه كل يوم .
اما من يعرف صلاح العزي و يحتك ويعاشر ما يقوم به من دور كبير و عظيم ومؤثر وفاعل وناجح ، فانه يتخرج من مدرسة عليا في العمل والإنتاج والتحرك والإبداع والمثابرة والصبر والإخلاص والتضحية والبذل والتواضع والرضا ونكران الذات والسعادة بالقليل والابتسامة في أحلك الظروف ، وفوق ذلك ان يحب ذلك كله من قلبه وهو يشتغل وينشغل بكل ذلك بوقته كله و جوارحه كلها .
صلاح العزي كان جبهة كبيرة ، وحري بنا ان لا نترك جبهته تنهار او تتلاشى ، وأدعو كل من لهم علاقة بتلك الجبهة من قريب او من بعيد من الذين كانوا مشرفين عليه أو الذين كان مشرفا عليهم ، ان يتذكروا صلاح العزي ويملأوا الفراغ الذي تركه بجهود ترقى الى مستوى جهوده وأخلاق تسمو إلى أخلاقه وشعور بالمسؤولية يصل الى رهافة شعوره بها، وذلك قدر المستطاع ، فالشخصيات النادرة مثل صلاح العزي والخيواني وغيرهم لا احد يملأ الفراغ الذي يتركونه مهما كان الاجتهاد في ذلك .
من مرثية لصلاح :
يا أيها المحفوف بالنقاء والرضا
أشعلت في قلوبنا
بيارق الكفاح
غادرتنا مواكبا من النجوم والضيا
تركتنا نوارسا
مكلومة الجناح
ومركبا تركته في عاصف المدى
نعى الشراع نفسه
الى الرياح