سويفت … تكسر عظم الخليج

سارة عبد الغفور المقطري

التاريخ لا يرحم وفي الوقت ذاته (لا ينصف ) , لا يعرف الخير من الشر , ولا يميز بين القيم العليا ( قيم الخير والحق والجمال) والعالم الواقعي، كما صنفه أفلاطون .
التاريخ يسرد فقط أحداثاً ويكتب وقائع , ونحن البشر من نصنف وفقا لمرجعياتنا واعتقاداتنا وانتماءاتنا .
في السياسة وتحديدا في لعبة الحروب يذكر التاريخ (الظالم) ويصور (المظلوم) ضعيفا ومنسيا .وهكذا هي حرب اليمن , سيتذكر التاريخ أن السعودية ومعها دول التحالف افتعلت حربا مع اليمن , ذلك البلد (القوي) بمقدراته وعدته وعتاده من ثروات اقتصادية واجتماعية وجغرافية , ومن يتحدث بأن السعودية اعتدت على اليمن ويقول ذلك البلد ( الضعيف الفقير ) فهو مخطئ , يكفي أن نعرف عن باب المندب وأهميته الاستراتيجية وميناء عدن وكمية النفط في صعدة والجوف ومارب وشبوة وحجم الثروة السمكية والزراعية عدا عن المميزات السياحية والثقافية والتاريخ الحضاري ليدرك حجم ( الغنى والقوة ).
كل ذلك لم يكن مطمع حديث للدول العظمى فهي (غول) تلتهم كل شيء أمامها دون رحمة أو رأفة منذ الأزل.
التاريخ سيذكر كل ما سبق وسيغفل ما يزيد عن 6 آلاف ضحية وسيكتفي بذكر الرقم لكي تشهق الأجيال القادمة شهقة النسيان لكل أولئك الضحايا والمدنيين .
ندخل في الموضوع.
من ضمن ما سيتذكره التاريخ أيضا وصانعو الأفلام الوثائقية تحديدا ما جرى للسفينة (سويفت) التي دمرها الجيش اليمني على سواحل المخا (الذكرى ستكون من باب الاستحياء طبعا)في البداية من لا يعرف السفينة سويفت هي سفينة عسكرية استأجرتها الإمارات من الولايات المتحدة الأمريكية , وهي تابعة للبحرية الأمريكية بشكل أساسي , وتستخدم كاسحة ألغام بحرية .
طولها 98متراً وعرضها 27 متراً , طاقمها يتجاوز 35 فرداً وقد تتحمل 100 فرد , تبحر بمدى 6500كم ولها قدرة على حمل أطنان من المعدات المختلفة وبإمكان المروحيات الهبوط على سطحها وقد استخدمها الأمريكيون في غزو العراق .
أوردت هذه المعلومات لأكثر من سبب :
أولاً : إذا تناسى التاريخ هذه الحادثة فيكفي أن كل تلك المعلومات قد ذكرت في هذا المقال للتذكير.
ثانيا : كل هذه المميزات للسفينة تنفي نفيا قطعيا ما حاولت أن تروج له قوى العدوان أنها سفينة مدنية إنسانية , فكل ما ذكرناه عن السفينة يؤكد أنها عسكرية وحربية بحتة , وبعيدة كل البعد عن كونها مدنية هذا من جانب ومن جانب آخر, إذا كانت قوى العدوان تريد تقديم مساعدات إنسانية أو نقل جرحى فيكفي أن تستخدم طائرة أو طائرين مدنيتين طالما أنها تسيطر على المجال الجوي لليمن وكيف ستنقل آلاف الجرحى كما تقول وهي –السفينة- لا تحمل إلا100 فرد كحد أقصى .
ثالثاً : قد تكون قوى العدوان تريد خوض خيارها الأخير أو مواجهتها الأخيرة والمباشرة وهي الاستيلاء واللعب على وتر مضيق باب المندب.ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية ضغطت وتضغط على قوى العدوان من خلال (قانون الجاستا) فأما باب المندب وهو( الوجبة الأكبر) للغول وإما (التعفن في ثلاجة الموتى ) وبالمناسبة : المشهد التمثيلي المسمى (فيتو اوباما )والذي أداه الرئيس الأمريكي بشكل جيد وبارع إلا أنه كان مكشوفا ومستهلكاً للمتابعين.
رابعاً : الضربة التي تلقتها (سويفت) ربما كانت متوقعة وربما كانت مثل:
( الطعم )للجيش اليمني وكانت قوى العدوان تنتظر تحرك إيران أو تريد استفزازها بشكل واضح لكن كما نعلم أن إيران لا تحب (المزاح الثقيل) وتحاول الاحتفاظ بمواقفها, وتدرك المزاح من الجد وتجيد الرد عليه في الوقت والمكان والزمان المناسب .
خامساً : إقامة مناورات درع الخليج لا تختلف عن غيرها من التحركات (الاستفزازية) كما ذكرنا وكما كان قبلها تشكيل درع الجزيرة ورعد الشمال أو حتى التحالف العسكري الذي اسماه الكاتب عبد الباري عطوان حينها (الناتو السني )وكما هو واضح إن كل تحركات الخليج هي أداة دينية لتحقيق أهداف سياسية بحتة , ولانستطيع بهذا الصدد نسيان التخبط الشديد الذي تعيشه دول الخليج عامة والسعودية على وجه الخصوص بعد قرار الكونجرس الأمريكي، سالف الذكر .
بالأخير
اعتقد أن دول تحالف العدوان الخليجي والسعودية على وجه الخصوص تعيش أقصى حالات التذبذب , بين أن تخسر هيبتها وتعترف بانكسارها في اليمن أو أن تفقد علاقاتها بأمريكا أو بريطانيا وغيرها من الدول المسيطرة على الوضع في الشرق الأوسط وبين هذا وذاك سيترك التاريخ فصلاً من فصوله ليحكي عن العلاقات الخليجية الأمريكية التي توصلت إلى مرحلة عض الأصابع .
وسيترك مساحة لليمن التي كانت أداة لتصفية حسابات متأخرة بين السعودية وأمريكا لكنها صمدت وثبتت .
وربما تشهد الأيام القادمة انتقالاً من مرحلة قضم الأصابع إلى مرحلة كسر العظم .

قد يعجبك ايضا