الولاية والثورة .. في خطاب القائد
علي أحمد جاحز
تجتمع في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ اليمن أكثر من مناسبة في وقت واحد ، وتتزامن ذكرى حدث مع حدث جديد مشابه ، وهذه ليست صدفا بل مقادير واشارات يفهمها التاريخ و صانعوه ، واليوم اجتمعت ذكرى الولاية ” غدير خم ” مع ذكرى ثورة 21 سبتمبر الخالدة ، والمناسبتان تحملان دلالات متشابهة و معاني بعضها من بعض .
خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله بالمناسبتين حمل في داخله الكثير من المعاني والمفاهيم والموجهات والدلالات وارسل الكثير من الرسائل للداخل والخارج للشعوب وللحكومات للعدو وللصديق ، كلها تنطلق من أبعاد المناسبتين وترابطهما في متوالية التاريخ المعقدة والمفهومة في الوقت ذاته .
لم يترك السيد عبدالملك جزئية مفصلية في هذه المرحلة الا وطرقها وفق الدروس البليغة التي يعطيها لنا التاريخ البعيد أو القريب ، وذكرى ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام احتلت مساحة كبيرة داخل خطاب السيد القائد حيث تناولها من زوايا وأبعاد جديدة أصيلة في نفس الوقت ، سواء من حيث كونها حدثا تاريخيا حاضرا بقوة في الواقع أو بكونها حجة بالغة على الأمة لفهم منعرج التاريخ ومكامن انحرافاته .
وربط السيد القائد بين الولاية وثبوتها في الرسالة المحمدية وبين أهميتها وتبعاتها وتأثيرها على حاضر الأمة ومستقبلها وعلى استقامة خط سيرها سيما فيما يتعلق بسلامة الدين وحراسته وصورته السوية الحقيقية التي تشوه عمدا عبر مخططات يقف وراءها ألد أعداء الأمة امريكا واسرائيل ، أو فيما يتعلق بفهم السياق التاريخي وصولا الى اليوم ، على اعتبار ان التاريخ سلسلة مترابطة من الممارسات والانحرافات .
الأمر الذي يفترض أن يجعل الأمة تراجع خطواتها التاريخية لتعرف مكامن الخلل الذي تعود جذوره الى الالتفاف على الولاية الثابتة عن الله سبحانه وتعالى وعن نبيه الذي كان في موضع تبليغ لرسالة الله واكمالها بالوصية والولاية لامير المؤمنين كقائم حق يحفظ للامة خطها السوي ويحافظ على منهاج النبوة في مرحلة دقيقة هي مرحلة ما بعد النبي صلوات الله عليه وآله ، واستعرض السيد الدور اليمني في احياء ذكرى الولاية من منطلق وعي بأهميتها تاريخيا .
كعادته السيد القائد يلقي خطابات مفصلية وتاريخية في مراحل معينة ودقيقة ، ولعل خطابه أمس كان واحدا من تلك الخطابات المهمة والتاريخية ، لقد طرق الخطاب ابوابا هامة واستراتيجية ابرزها كشف وفضح امريكا واسرائيل ومشروعهما في المنطقة الذي تنفذه السعودية والوهابية التكفيرية بهدف تشويه الاسلام وتقديمه في أبشع صورة كخدمة كبيرة لاسرائيل وامريكا ، ولم يطرح السيد القائد تلك الجزئية بشكل انفعالي أو عاطفي ، بل بمنهجية واستلالات واقعية تلامس وعي الناس ليس في اليمن الموجوع من السعودية ولكن تلامس وعي شعوب المنطقة وتلامس ايضا وعي شعوب امريكا واوروبا الذين يفهمون جيدا حقيقة اللعبة التكفيرية الارهابية التي ترعاها امريكا وتستخدمها وتجند لها الامكانات والدعم والمساندة من قبل النظام السعودي .
وانطلق السيد من هذا كله الى علاقته الوثيقة بالعدوان على اليمن ، كاشفا بدقة حقيقة الدور الامريكي في ما يتعرض له اليمن من عدوان وتجويع ، وكانت تناولاته للعدوان على اليمن متكئة على قناعة بأن من الاهمية بمكان ان يتحرك الناس على قاعدة ان العدوان مستمر ولن يتوقف اليوم أو الغد أو بعد شهر أو شهرين ، كون تلك القناعة مهمة في سبيل استمرار الحشد والتعبئة والتحرك المستمر .
ولفتني في هذا السياق قوله ” لندع الاحداث تلدنا شعبا جديدا و يمنا جديدا مستقلا قويا ” ، هذه العبارة تحيلنا الى أن المعركة في اوجها معركة مصير يجب ان ينتج واقعا مختلفا ، وهو ما يعني أن الماضي وادواته لم يعد له مكان في مستقبل اليمن الذي يجب ان يولد جديدا ويتطلب لتلك الولادة مخاضات صعبة والمخاضات بدورها تتطلب منا تحركا مستمرا وجادا .
لم يكن تطرقه لموضوع البنك المركزي استجدائيا ولا يائسا ولا مهونا ايضا من خطورة الاجراء العدواني ، بل عمد الى الجمع بين الحديث عن كونه جريمة تستهدف الشعب كل الشعب ، وبين ضرورة التحرك الجاد لمواجهة تلك الجريمة بالمزيد من الصمود والتصدي داعيا الى التبرع لدعم البنك ووعد بأن نرى ثمرة تلك التبرعات في بقاء دور البنك وصموده ، والمهم في هذا الصدد ان السيد كشف للشعب اليمني خصوصا وبتسلسل نقي كيف تدار الحرب الاقتصادية وكيف تؤثر على كل الشعب ، لافتا ومذكرا بالدور الوطني الذي اشتغل عليه البنك طوال الفترة الصعبة الماضية وحياديته ليحمل العدوان مسؤولية النتائج الكارثية من خطوة نقل البنك وتغيير محافظه الذي كان يعمل بإنسانية بحتة .
السيد القائد ولأول مرة في خطابه الثوري الذي ينطلق من ثورة خط الرسالة ومبدأ الولاية الذي هو دليل الخط الرسالي السوي ، لأول مرة يخاطب شعب المملكة خاصة في جيزان ونجران وعسير والمنطقة الشرقية ، بخطاب تثويري يلامس أوجاعه ومظلوميته واقصاءه و تهميشه داخل التركيبة الاجتماعية السعودية ، ويدخل الى عمق جراح تلك المجتمعات الواقعة تحت طائلة القمع والاسكات القهري ، وافراد السيد القائد لهذه الجزئية مساحة مهمة في خطاب الولاية والثورة له الكثير من المعاني والدلالات التي تقول ان السيد القائد يعي و يدرك جيدا ان المرحلة مناسبة لطرق هذا الامر وان الجرس قد دق ايذانا بانهيار حكم ال سعود وذلك وفق معطيات يمتلكها السيد القائد و يقرأها جيدا ، فما تعودنا عليه ان يتحدث عن أمر في غير وقته ولا يرسل اشارات عبثية .