خالد عبد المنعم
التقارب اللفظي بين “الولايات المتحدة” و”الأمم المتحدة”، يتبعه أيضًا تقارب من نوع آخر في مجال السياسة العامة، فالأمم المتحدة يبقى التعامل معها على أنها مؤسسة تمثل الذراع السياسي للولايات المتحدة في سطوتها على العالم، فليس مستغربُا أن لا تجد قرارًا حازمًا من قبل هذه المنظمة الدولية ضد ممارسات الكيان الصهيوني الغاشمة في فلسطين المحتلة، أو أن تقوم هذه المنظمة الأممية بانتزاع المملكة السعودية حليفة واشنطن في منطقة الشرق الأوسط من القائمة السوداء كدولة تنتهك حقوق الأطفال في الحياة من خلال عدوانها السافر على اليمن.
التفاف
بعدما أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، انتهاء المشاورات بين الأطراف اليمنية المنعقدة في الكويت منذ 3 أشهر، على أن تستأنف في مكان آخر بعد شهر، عاد ولد الشيخ مؤخرًا ليقرع باب المفاوضات اليمنية ـ اليمنية عبر بوابة سلطنة عمان هذه المرة وليس الكويت.
اللافت أن ولد الشيخ مازال يحاول إخفاء انحيازه للمملكة السعودية وفد الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، ضد الوفد الوطني المتمثل بحركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي، فمسودة الاتفاق الأخيرة التي حاول ولد الشيخ تمريرها تقضي بأن يتم نزع سلاح الجيش واللجان الشعبية وانسحابهما من صنعاء قبل مناقشة تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو الأمر الذي رفضه الوفد الوطني.
وفي الوقت الذي تعاني فيه المملكة السعودية من الهجمات الصاروخية البالستية “بركان 1” والتي يطلقها الجيش واللجان الشعبية كنوع من الدفاع عن النفس وطالت مناطق في العمق السعودي كالقاعدة العسكرية في محافظة الطائف السعودية، بالإضافة لانتقال الصراع إلى داخل الأراضي السعودية الحدودية مع اليمن كجيزان ونجران وعسير، وسيطرة الجيش واللجان الشعبية على مواقع استراتيجية جديدة على البحر الأحمر، نجد أن المبعوث الأممي لليمن يسعى لإيجاد مخرج سياسي جديد قد يسهم في إخراج الرياض من مأزقها في المستنقع اليمني.
تلاعب في سوريا
دور الأمم المتحدة المريب في سوريا كان واضحًا للعيان في التقرير الذي اتهمت فيه الحكومة السورية باستخدام الكيماوي، وشككت روسيا الثلاثاء الماضي في النتائج التي توصل إليها والتي تتهم النظام السوري بشن هجومين كيماويين بغاز الكلور، في حين دعت لندن وواشنطن وباريس إلى فرض عقوبات على دمشق.
ويبدو أن الأمم المتحدة المتحدة مصممة على افتعال المشاكل، فقبل أسبوع أكد مبعوثها الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا، أن الأمم المتحدة “لم تُستشر” في الاتفاق الموقع بين الحكومة السورية والمسلحين لإخلاء بلدة داريا المحاصرة بريف دمشق، مشيرا إلى أهمية حماية سكان البلدة وعدم ترحيلهم قسرا.
وجاء في بيان دي مستورا، أن “الوضع في داريا خطير للغاية، وكان أمرا مأساويا أن النداءات المكررة لرفع الحصار عن داريا منذ نوفمبر 2012م ووقف القتال لم تلقَ استجابة”، وأضاف “المبعوث الخاص علم الليلة الماضية باتفاق إجلاء السكان المدنيين والمسلحين، اعتبارا من اليوم.. لم تُستشر الأمم المتحدة ولم تشارك في التفاوض لإحراز هذا الاتفاق”.
كلام دي ميستورا، رد عليه الدبلوماسي السوري بشار الجعفري، بالقول إن المبعوث الأممي يطيل أمد الأزمة بدل العمل على العودة للحوار وإنه قد تجاوز دوره كوسيط، وختم بالقول إن قضية دعوة دي ميستورا للحوار السوري مجددا ليست بيده وهو لم يتلق الأمر بذلك.
وكانت سوريا قد وافقت على تدمير أسلحتها الكيمياوية في 2013م بموجب اتفاق توسطت فيه موسكو وواشنطن.
أجندة أمريكية في ليبيا
دائمًا ما كانت التلميحات الأمريكية بالتدخل العسكري في ليبيا تجابه بالرفض، حيث ترفض الجزائر أي تحرك عسكري في ليبيا وأعلنت تمسكها بحل سياسي، داعية الفرقاء إلى استكمال الحل السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية في طرابلس قادرة على تلبية الاحتياجات الملحة للشعب الليبي.
الجزائر تؤكد دائمًا أنها لا تثق في أي تدخل عسكري بالمنطقة مهما كان الغطاء الدولي أو الإقليمي الذي يحظى به، وعارضت في البداية تدخل حلف شمال لأطلسي في ليبيا قُبيل الإطاحة بالعقيد معمر القذافي، كما عارضت الضربات العسكرية الفرنسية في مالي ضد الجماعات المسلّحة، وفضلت أن تبقى حلول هذه المشكلات الإقليمية حكرًا على أهل المنطقة، كما ترفض الجزائر مشاركة جيشها في عمليات خارج أراضيها، وفق نصوص الدستور.
ويبدو أن مبعوث الأمم المتحدة لليبيا مارتن كوبلر، قد زار الجزائر لدفعها في المسار الأمريكي، وكشف رئيس اللجنة الجزائرية الإفريقية للسلم والمصالحة أحمد ميزاب، أن المبعوث الأممي إلى ليبيا يزور الجزائر بهدف الخروج من ورطة عدم تقدمه في الملف الليبي منذ توليه المنصب قبل أشهر.
وبين ميزاب، أن كوبلر، الذي وصل السبت الماضي، في زيارة للجزائر تستمر يومين يواجه “الورطة والمأزق الحقيقي الذي يعيشه بعد انتقادات بعض الأطراف الليبية، وحتى من حكومة الوفاق المستاءة من طريقة إدارته الملف”.
وأضاف أن الزيارة تأتي لبحث ثغرات في المسار السياسي وبحث تطور الأوضاع الأمنية في ليبيا باعتبار أن الهوة بين أطراف الصراع زادت تعمقا وأن الظاهرة الإرهابية في توسع وليست في تراجع بعد الضربات الأمريكية كما تروج تقارير ومسؤولون غربيون.
ويبدو أن محاولات الأمم المتحدة للضغط على الجزائر للتدخل العسكري في ليبيا لم تنفع، فالجزائر مازالت متمسكة بالحلول السلمية، وعلى الأمم المتحدة أن تجد حلولًا لمأزق ليبيا بعيدًا عن توريط الجزائر.
* كاتب صحفي مصري “البديل”