وما بعد السبعين أعجب!

ابراهيم سنجاب
بالأمس خرجت مظاهرات في صنعاء لرفض الحرب على اليمن وتأييد القرارات السياسية التي جاء على رأسها تشكيل مجلس أعلى سياسي (وليس ثوريا ) لإدارة شؤون البلاد والإعداد لانتخابات برلمانية ومحلية وقرارات أخرى تعبيرا عن تحالف سياسي بين الرافضين لشرعية عبدربه منصور وما نتج عنها من تدخل عسكري في شؤون اليمن .
المظاهرات لمن شاهدها على الفضائيات المحدودة التي نقلتها شارك فيها مئات الآلاف بعضهم وصفها بالمليونية , ولمن تابعها على فضائيات العرب وجزيرتهم وتوابعهما في البي بي سي وغيرها من الفضائيات الدولية شارك فيها بضعة آلاف… ليكن ..فقد تعودنا منذ غزو العراق فى 2003م على التآمر حتى في نقل الخبر وفى تزييف زوايا الرؤية , ومع ذلك فلا أهمية لما أيقن المواطن البسيط في العراق وسوريا واليمن ومصر بأنه نهج تآمري ومزيف .
ورغم أن الموقف في اليمن يفرض على المحللين السياسيين والإعلاميين المحايدين الكثير من التحليل والتحقيق لفهم ما جرى واستشراف ما سيجرى (بغض النظر عما إذا كانوا عروبيين أو ما دون أو ما فوق ) خاصة أولئك الذين تلمسوا شيطنة الأزمة اليمنية منذ اليوم الأول للخروج الكبير ضد منظومة الحكم الصالحي في 2011م ولكن ما أكثر ما قيل ويقال وسيقال .
كنت محظوظا عندما زرت اليمن في 2014م ونشرت ما رأيته بعنوان ( الدولة أم الثورة ) وحالفني الحظ مرة أخرى في فبراير 2016م أثناء عاصفة الحزم ( الحرب على اليمن ) ولدي مئات الآلاف من الكلمات عن حال المواطن اليمنى في ظل الحصار الفولاذي الذي امتد حتى اليوم لحوالي 17 شهرا بحرا وجوا وعن أحوال النازحين وأسر الشهداء وعائلات القتلى وغيرها من العناوين التي يستطيع الصحفي أن يراها فى بلد يحبه ويراه قطعة من أرض بلاده ( على هذا تربينا ) .
ومع ذلك وحتى لا أطيل فيخرج المشهد من الإطار فإن الصور لا تكذب ومن بين مئات الصور التي رأيتها فقد اخترت ثلاثا منها لتعبر عما جرى السبت في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء الأولى هي لطفل وخلفه مجموعة من المتظاهرين وفى الخلفية انفجار نتيجة قصف طائرة سعودية لموقع بالقرب من مكان وتوقيت المظاهرة , والثانية لشابة يمنية من بين المتظاهرات جلست على الأرض دون انزعاج تحمل علم بلادها وترفض الحرب , أما الثالثة فمن نجران وهى لمبنى سعودي تم تدميره بمعرفة مقاتلين من اليمن .والملخص أن الألم اليمني قد امتدت آثاره ليتألم السعودي أيضا مع الفارق أن اليمنيين في موقف الدفاع عن عاصمتهم وتاريخهم ,وأن اليمنيين رغم الألم قادرون على أن يتظاهروا تحت القصف.
وأنهم باتوا قادرين على الرد بقسوة في الداخل السعودي وأن بناتهم يخرجن للتظاهر رغم القصف وأن الشقيق السعودي ما زال مستكبرا حتى بعد مرور 17 شهرا من التحليق فوق كل شبر في اليمن والقصف دون ادنى اعتراض .
وبعدين
ما أفهمه أنه وبعد آخر صفقة سلاح مع واشنطن قبل أيام فإن الشقيق السعودي قد حصل على فرصة أخرى للحسم العسكري وحده أو مع شركاء من الخارج أو في الداخل اليمني ( جماعة الأخوان – جماعات سلفية – جماعات أخرى ) ولو لم يتمكن من ذلك فلن يستمر الحال على ما هو عليه فكما قالت الإدارة الأمريكية إنها لم تعط للسعوديين شيكا على بياض في اليمن وهي التي حصلت على شيكات بالمليارات ثمنا لأسلحة استخدمت في اليمن وسوريا , والمريب أنها اتبعت ذلك بسحب عدد كبير من مستشاريها العسكريين في القواعد السعودية , المهم هنا هل الشقيق السعودي قادر على الحسم وهل هو على أبواب صنعاء كما يقال ؟ لا أعتقد.
وما أفهمه هو أن علي عبدالله صالح من وجهة نظر صنعاء رئيس (سابق)، وبعد اعتذاره علنا عن أخطاء ارتكبت في عهده قد أصبح في نظر غالبية اليمنيين أقوى مما كان في السلطة، فهو الآن مواطن يدافع عن بلده ويضع نفسه في خنادق الرافضين للعدوان وللعلم فما زال حزب المؤتمر الشعبي العام هو الأقوى سياسيا حتى هذه اللحظة .
وما أفهمه أن جماعة أنصار الله هي الأقوى تنظيما وولاء وعقيدة قتالية وسياسية واجتماعية في سائر الجزيرة العربية ويزيد من مكانتها في أوساط اليمنيين أن زعيمها الشاب عبدالملك الحوثي الصادق دائما هو رجل لم تلوثه السياسة وصاحب كاريزما روحية ايمانية وتكفي طلته على أي شاشة في أي مناسبة ليسترد أنصاره أنفاسهم المتقطعة على إثر القصف والجوع والظلام .
الحليفان , المؤتمر وانصار الله وهما اللذان تشاركا في ميادين القتال يتشاركان اليوم في العمل السياسي والتنظيمي والاداري وقد قطعا بذلك كل محاولات الاختراق الكبرى بين صفوفهما والتى جرت على مدى أشهر القصف , ليس ذلك فقط ولكنهما بعقد جلسة البرلمان وانتخاب صالح الصماد رئيسا للمجلس السياسي الأعلى قد وضعا شرعية أمام شرعية، فعبدربه منصور هادي انتهت ولايته وحكومته تعيش في الرياض .
وأخيرا فإن المهلة المتاحة للحسم العسكري تتناقص يوما بعد يوم بسبب ارتفاع معدلات الضحايا بين المدنيين ووقوع ضحايا داخل مستشفيات تديرها منظمات إنسانية دولية , ومهما كان حجم التغطيات الإعلامية فهي في النهاية لن تخفي الحقائق إلى الأبد .والذين حرضوا المملكة على القتال فى اليمن يجمعون الأوراق التي تحمل خطاياها ليوم معلوم عبر عنه المرشح الأمريكي دونالد ترامب أكثر من مرة ( عليهم أن يدفعون لنا ثمن حمايتهم ) .
فهل سيتوقف السعودي عن القصف ويدخل في محادثات مباشرة مع اليمنيين , ويتعاونا معا لمحاربة تنظيم القاعدة الذي يدير مساحات ضخمة في الأراضي اليمنية وهو قادر على تهديد الأراضي السعودية لاحقا،وبما يضمن الأمن للحدود مع اليمن؟ أم ستراهن الرياض على القصف ودعم مقاومة هادي والأخوان المسلمين والجماعات الإرهابية الأخرى؟
وإجلالا وتعظيما للحرمين نتمنى ألا يأتي اليوم الذي تستغيث فيه المملكة بالمسلمين للدفاع عن أراضيها وهى التي استعانت بغير المسلمين لقصف الجار المسلم .
كلمة أخيرة
الإيرانيون ليسوا في اليمن !
*كاتب صحفي مصري..

قد يعجبك ايضا