براهمة العالم ومنبوذوه

عرض/ خليل المعلمي

يعد النظام العالمي الجديد محل دراسة الباحثين والأكاديميين في معظم الجامعات العالمية وذلك لما يشوبه من تناقضات في التعامل مع مختلف القضايا السياسية في المناطق الحساسة والملتهبة في العالم، ومن هؤلاء الباحثين من قدم رؤى نقدية في سياسة القوى العظمى وطبيعة الدولة الحديثة والنظام العالمي والحضارة الغربية.
وممن أسهم في هذه الدراسات الكاتب والباحث الدكتور علي الأمين المزروعي وهو أحد الباحثين والأكاديميين الذين وضعوا تحليلاً للنظام العالمي (الغربي) وسعى إلى تفكيك مضموناته وتحيزاته ضد الشعوب والثقافات الأخرى من خلال المقالات الصحفية، وأوراق بحثية قدمها في عدد من المؤتمرات، ونظراً للتجاهل الذي لاقاه إرث المزروعي الفكري في العالم العربي أقدمت مجلة “نزوى” العمانية على توفير ترجمات عربية لكتبه ودراساته، وتقديمه إلى القارئ العربي كمفكر أفريقي وعالمي أصيل، ترك خلفه إرثاً فكرياً يوصف أكاديمياً بـ”المزروعيات” ويشمل دراسات ورؤى في العلاقات الدولية والسياسية المقارنة والنظرية السياسية والفلسفية وعلم الاجتماع واللغويات الاجتماعية وغير ذلك.
وقد وضع المزروعي الكيني الجنسية والعماني الأصل بصمته الفكرية اللافتة رغم ما جرى من محاولات تجاهل وتهميش لأثر هذا القادم من القارة السوداء، ليفكك الحضارة الغربية وينتقدها على منابر أرقى جامعاتها.
ونستعرض خلال الأسطر التالية الكتاب الذي أصدرته المجلة مع أحد أعدادها وقام بترجمته أحمد حسن المعيني تحت عنوان “براهمة العالم.. ومنبوذوه” كبداية كما يقول المترجم لمشروع توفير كتاباته للعالم العربي الذي لم يكد يعرفه، رغم أنه كان واحداً من أكبر المنافحين عنه وعن سائر العالم الثالث.
ويؤكد المترجم أن قائمة الكتب التي أصدرها المزروعي ما بين تأليف وتحرير قرابة الـ30 كتاباً، إضافة إلى قائمة من المقالات البحثية الطويلة جداً، سيجد القارئ والباحث الكثير مما يستحق الاطلاع عليه سواء من كتاباته الحديثة أو القديمة، فالفكر المبدع يتجاوز الزمان والمكان ولا يعرف تاريخاً لانتهاء الصلاحية.
الفصل العنصري العالمي
يتناول الكتاب أربعة مواضع تدور حول الوضع العالمي الجديد، حيث يتحدث في الموضوع الأول عن الدين والعِرق في النظام العالمي الجديد، ويتساءل فيه عن مصير العالم الذي يشهد تشكل الفصل العنصري العالمي مع نهاية الحرب الباردة، ويقول: “هل سنرى في القرن الحادي والعشرين عالماً أبيض أكثر اتحاداً وربما أكثر ازدهاراً يتسيّد على مصير عالم أسود متشظ وأكثر بؤساً؟”، ويستطرد: وعلاوة على التقسيم الأبيض والأسود في العالم، قد يكون للدول الإسلامية ما يدعوها للقلق في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، تُرى هل سيحل الإسلام محل الشيوعية بصفته العدو المتصوّر للغرب؟ ويذهب في هذا الموضوع إلى أن المسلمين هم ضحايا الجانب العسكري من النظام العالمي الجديد فمنذ حرب فيتنام قتل الغرب أو الدعم الغربي مئات الآلاف من الفلسطينيين والليبيين والعراقيين واللبنانيين، في حين أن السود في أفريقيا وأوروبا والأمريكيتين وغيرها، هم ضحايا الجانب الاقتصادي من هذا الفصل العنصري العالمي الذي يتشكل.
الدولة الفرانكنشتانية والنظام العالمي
لقد تم اشتقاق هذا المصطلح من اسم رواية لماري شيلي في العام 1818م وهي “فرانكنشتاين” والتي تعبر عن استعارة بلاغية للدولة ذات السيادة، واستعرض المزروعي في هذا الموضوع ما انتجه العالم الجديد خلال عقود القرن العشرين وخاصة النصف الثاني منه بعد الحرب العالمية الثانية من وضع خاص للتفاعل بين العوالم الأول الرأسمالي المتطور، والثاني الدول الاشتراكية الصناعية، والثالث الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حتى بعد تحقيق الاستقلال في معظم دول العالم الثالث نتج عنه انكماش سريع لميدان الحركات الاجتماعية.
أخلاقيات القوى العظمى
في هذا الجانب اختار المترجم أحد المقالات للكاتب علي الأمين المزروعي تحمل العنوان “أخلاقيات القوى العظمى.. منظور من العالم الثالث”، أشار إلى أن الثنائية التي كانت تحكم العالم في الثمانينيات وهي القوتان العظيميان قد تغذت على ازدواجية أخلاقية، حيث أكد أن الميول الأيديولوجية جزء أساسي من تكوين أخلاقيات القوى العظمى، فالمفروض من الاشتراكية أن تكون إعادة توزيع للقوة الاقتصادية لصالح المعوزين، والليبرالية إعادة توزيع للقوة السياسية لصالح المهمشين.
ويتساءل في ذات الوقت قائلاً: الولايات المتحدة كيان سياسي ليبرالي داخلياً، ولكن على المستوى الدولي هل تسعى السياسة الأمريكية إلى إعادة توزيع القوة السياسية لصالح الأمم المهمشة؟.
وكذلك الاتحاد السوفيتي نظام اشتراكي ولكن على المستوى الدولي هل تعمل السياسة السوفيتية على إعادة توزيع القوة الاقتصادية لصالح الأمم المعوزة؟، وبالتالي فإن القوتين العظيمتين تعتبران دول العالم الثالث أسواقاً جيدة لبضائعهما خاصة منها الأسلحة التقليدية.
الاستعلاء الاثني
في الجزء الرابع من الكتاب يأتي تحت عنوان “العالمية الثنائية للحضارة الغربية.. الاستعلاء الاثني في فكرة التقدم وفي العلوم الاجتماعية الغربية”، وحاول المزروعي من خلال ذلك استكشاف التأثير المتبادل بين الاستعلاء الاثني الأوروبي والعالمية الثنائية للحضارة الغربية فيما يتعلق بالتقدم والتنمية وذهب إلى أن العلوم الاجتماعية الغربية هي إلى حد كبير نتاج لمكونين عالميين: العلوم الطبيعية والتراث اليهودي- المسيحي.
وأضاف: أن النظريات الحديثة في التنمية والتحديث قد شُوهت بالصدام بين الاستعلاء الاثني الغربي والعالمية الثنائية للحضارة الغربية، وقد دخل المكون العلمي من ذلك التراث المزدوج إلى مرحلة جديدة من الاكتشافات البيولوجية التي توصل إليها داروين وتأثيره في النظريات الاجتماعية، أما المكون الديني من تلك العالمية الثنائية فقد تأثر كثيراً هو الآخر بالأثر الأيديولوجي.
وفي نهاية هذا الجزء يؤكد المؤلف أن فكرة التقدم استطاعت تبرير تصنيف المجتمعات “من البدائية إلى المتحضرة” وباسم التقدم تم الدفاع عن تجارة الرقيق كطريقة لدفع عجلة الثورة الصناعية، وباسم التقدم اُستغل الأطفال ليعملوا في مصنع تلو الآخر، وباسم التقدم احتفى “رديرد كبلنغ” بالامبريالية التي يشكل العرقُ أحد ملامح وعيها.
وبالتالي تصبح مبادئ التقدم مكيافيلية بسهولة، إذ تبرّر الوسائل القاسية في سبيل الغايات النبيلة والتنموية، وما هي إلاّ صيغة جديدة من عقيدة التقدم التي تبرر أحياناً وسائل التكيف الهيكلي”، بالحديث عن الغاية النبيلة ألا وهي “الانتعاش الاقتصادي”.

قد يعجبك ايضا