قراءة نقدية في كتاب “محاورة النص الأدبي- دراسة في البنية والدلالة” للكاتب علي أحمد عبده قاسم:

النص الأدبي.. وثقافة القارئ

خالد الضبيبي

الكتاب يحتوي على خمسة فصول، يحتوي الفصل الأول على ثلاثة محاور أساسية معنونة بـ”علاقات إبداعية”، اكتفى الفصل الأول بمحورين أساسيين حاز منها على نصيب الأسد “الصداقة” في شعر الدكتور عبد العزيز المقالح وانتهى بـ”التحول والميلاد” في قصيدة “ذات يوم “للشاعر الكبير عبد الله البردوني في 5 صفحات .. الفصل الثاني والمعنون بـ”حداثية الإبداع اليمني” وقد احتوى على خمسة محاور أساسية متنوعة ابتداءً بالصورة الشعرية التجريدية في قصيدة “الوردة بلاقبيلة” مرورا بقصيدة “نصف انحناءة” للشاعرة هدى أبلان وبنص “بنو عمي سباع” لهيثم وقراءة في قصيدة “مقامات فردوسية” واختتمه بـ”قناع سيف ذي يزن” في شعر المقالح.
أما الفصل الثالث والمعنون بمسارات إبداعية، فقد اختلف النسق هنا بتسليطه المحاور الثلاثة على رؤى عامة، وهي صوره المرأة والرجل في الشعر النسوي الحديث، مرورا بالمرأة وصراعها مع الحلم الرجل في القصة القصيرة اليمنية، انتهاء بجمالية العلامة السيميائية في كتاب صنعاء.
الفصل الرابع والمعنون بـ”حديث القديم وتأثر الحديث” فقد حاول التركيز في المحاور الأربعة الأساسية على الدمج بين القديم والحديث، وتنوعت بين الدراسة والتحليل، ابتدأها بجماهيرية قصيدة عمر بن كلثوم مرورا بدراسة سيطرة الخطاب الشعري على عقلية المتلقي العربي، ومن ثم تعمّق في دراسة قصيدة الحصري القيرواني، وانتهى بدراسة ملامح الرومانسية الأوروبية في النصوص العربية “الشابي نموذجا”.
وينتهي الكتاب بالفصل الخامس المعنون بـ”سعادة الحضور والآم الغياب” بمحورين أساسيين هما “ثلاثية الخطاب في ديوان” و “أكتب للشاعر سليمان العيسى” وانتهاءً بديوان كتاب “الأم” الذي حمل اسم الباب “سعادة الحضور والآم الغياب”.
رقم 1
علي أحمد عبده قاسم.. للوهلة الأولى وأنت تقترب من هذه الشخصية سوف تجد أن هذا الرجل قصير القامة حنطي البشرة نحيل البنية لا دلالة واضحة تدل على ارتباطه بالأدب إلا ما يحمل في يده من أوراق أو كتب !! ولكن وكفاجعة يليوس قيصر بخيانة بروتس له في مسرحية شكسبير الشهيرة.. تنفجر الحقيقة في وجهك لتبين لك مدى سطحية النظرة الأولى الخالية من المعرفة والمتجردة من الوضوح والتوضيح، فأنت تعرفه حق المعرفة ما إن تقترب وتقرأ له وتحاوره.
علي أحمد عبدة قاسم.. أديب من طراز فريد، ربما كان ارتباطه بالتربية على مدار سنوات واختلاطه بالأدب والأدباء هو ما كوّن لديه هذه القيمة التي سوف تتفاجأ بها عند اطلاعك على عمله الأدبي الفريد “محاورة النص الأدبي— دراسة في البنية والدلالة ” .
علي أحمد عبده قاسم.. يكشر عن أنيابه في حواره المدهش والعميق مع ” كتاب الأصدقاء ” للدكتور عبد العزيز المقالح، يصفع القارئ البسيط بمعلوماته المتبحرة وبحواره الانطباعي اللغوي وبقراءته النقدية والنظرية وهو يفكك النص ويسبح في الدلالة ويبحر في اغوار الكاتب عندما يتحدث بلغة سهلة لها دلالات تعليمية، وكقارب يبحر في النهر نحو مبلغه الذي يرنو اليه يوجه رسالته من خلال قراءته وهو يعبر من بوابة الصداقة الى عمق النص الأدبي..
وإذا كان الخطاب يعكس الوجه الملهم للشاعر والذي كان له تأثير بالعواطف والمشاعر فان القيمة التي يرتكز عليها الناقد هي تشريح النص أو تفكيكه وفتح آفاقه المعتمة للقارئ.
ومن كتاب الأصدقاء وبعد رحلة طويلة مع النص واصل هذا الأديب المعلم تأصيل فكرته بحوار أكثر جرأة وهو يتحدث عن آل “صوتيم ” وهو أصغر وحدات السياق العام للخطاب، وكحائك ماهر يبدأ بشرح التحول والميلاد في قصيدة ” ذات يوم” للشاعر عبد الله البردوني، وبتركيزه على قدرات الشاعر الفريدة يشرح لنا مقصديه الرسالة الموائمة وهو يفك عتبة النص من العنوان “ذات يوم ” ليشرح لنا الغموض والرمزية في النص، وهكذا يتحدث عن إعمال الفكر كسبب وكدعامة أساسية لقراءة واعية ناضجة للنص الأدبي.. ويمكن القول عن هذا الناقد إنه يمشي الهوينى مسترسلا وغير آبه بالوقت أو بالزمن وهو يقوم بتفكيك النص من حيث الدلالة والبنية من خلال شرح المضمر والظاهر وبلغة سلسة سهلة يستخدم فيها أسلوب السرد والتتالي متبحرا بالحديث عن الصوتيم وتناسق الجمل وتركيبها الدلالي والبلاغي حتى يصل بك كقارئ الى كشف السر واكتشاف الجوهرة من عمق البحر ..
“قبيلة الوردة في الوردة بلا قبيلة”
يستهل علي أحمد عبدة قاسم في قراءته انه إذا كان النص الأدبي يعتمد على المعنى والبناء لينتج قراءة تعكسها ثقافة القارئ وتربيته ونطاق معرفته ووعيه، فان الصورة جزء اساسي من المعنى والمبنى. وأشعر كقارئ ان علي احمد عبده رسام ماهر يحاول رسم لوحة من أجل حوار جديد للصورة .. فهو يقنعك بالرحيل معه في الزمن من حيث تطورها التاريخي وتأثيرها العام على الخطاب الشعري دافعا بها نحو الحداثة والتأثير والمعاصرة شارحا اسباب تطورها مع مرور الزمن حتى يصل الى بيت القصيد وهو الصورة الحديثة التي يقول: “إنها أصبحت فنا يعكس القدرات الإبداعية التي يمتلكها المبدع” وصولا الى الوردة بلا قبيلة، شارحاً أسباب اختياره النص بأنه ثابت الإيقاع وغير مضطرب وهو يتحدث عن الصورة التجريدية في اللاوعي وانتقال الادراك فيها من الظاهر المادي الى العالم الميتافيزيقي وهو عالم الروح، متنقلا في حديقة الورد عابرا كل الصور ببطء السلحفاة وبعين النسر.
وأجد أنه كان يحاول نقل الصورة بالمجهر لحداثة الصورة وروعة الابتكار ومعاصرتها في ما يخدم التطور والانزياح الزمني الحداثي …
ومن قبيلة الوردة الى “نصف انحناءة” للشاعرة هدى ابلان يعبر بنا على احمد قاسم الى عالم المرأة باحثاً عن جوانب متعددة فيها من خلال محاورة النص الذي كما يقول بأنه يحتمل الكثير من القراءات، وكبوذي يمارس رياضة اليوجا يتأمل الأسلوب الخبري شارحا غياب الأسلوب الإنشائي بانتشاء، وهو يسهب في مدح المضامين المتعددة بوصفه للغة المتميزة بأنها مشفرة، وهكذا يمارس محاورة النص حتى النهاية على نفس النسق الذي يتبناه في تفكيك النص ومحاورته وقراءته بعمق ومن نصف انحناءة الى انحناءة كاملة أمام نص “بني عمي سباع” لمحمد حسنين هيثم يتلاشى ويذوب وهو يشرح خصائص جديدة للنص، وهي التلاشي والذوبان شارحاً أسباب ثبات النص ومقاومته واستمراره بالصمود، موضحاً وبقراءة فاحصة كيفية تلاشي الصفات ليصل بك الى الفراغ وهي الحالة من لا نص، موضحا أسباب تآكل النص وكيفية وصوله إلى آخر نقطة وهي التلاشي وهكذا يمارس اقناعك بخاصية الذوبان واضعا دلالاته المعينة نصب عينيك .
رقم 2
هكذا تستمر عوالم هذا الأديب الأريب بالانفتاح وهو يقوم بممارسة حواريته المدهشة، باحثا عن أسرار جديدة في النص وعوالم ربما لم تُطرق من قبل وربما ارتأى هنا ان يدلُف من باب الحدثة تأثُّرا بثورة شاعرية لشعراء الحداثة جعلته يختار نصا يعتبره مميزا جدا من حيث الصورة والرمزية وهو قصيدة “مقامات فردوسية” محاولا مداعبة النص الأدبي، واخاله هنا ادخل أدواته القياسية واستخدم خبرته الطويلة في مجال النحو كي يقشر تفاحته بها، فنجده ينطلق بتفتيت النص من خلال تحليل الفعل وما يدخل عليه ليصل الى المعنى الذي يتحقق معه بكل بساطة في النهاية وما بين الصورة والرمزية يحلق دائما.
ومن كتاب “الاصدقاء الاصدقاء” في البداية الى “قناع سيف بن ذي يزن” في شعر المقالح يحاول أديبنا الخروج ببيضة ذهبية وهو يحاول عبر مقالة مقتضبة ايجاد الخلطة السحرية في تطور الخطاب لوجود دلالة تطوره من خلالها، وهو يكشف لنا ابعاد الشخصية والكاتب بعين الصقر الفاحصة عندما يقلب لنا ابعاد الشخصية الرمز، وكأنه في معرض لعرض اللوحات، يقوم بكشف الاقنعة.. القناع تلو القناع برأي انطباعي، ولأن الرموز تولد الدلالات فهو يرى أن الأقنعة كانت محورا اساسيا في سياق التأثير على الرؤى المستقبلية ولهكذا تعددت وتنوعت ..
خارجا من الأقنعة نحو أبعاده جديده حاملاً عدسته المقعرة وسيف اللغة، ممسكا بزمام ادواته يحاول فك غموض صورة المرأة والرجل في الشعر النسوي الحديث، داخلا من باب المرأة التي كانت وما تزال محوراً اساسيا من محاور الحياة. يناقش قضايا المرأة بقراءة واعية لعدد من الشاعرات العربيات، ولتشابُه القضية واختلاف درجة النضج إلا أنها تعبر عن شخصية المرأة دخولا من باب الحلم ورؤيته الصريحة ودلالته الصريحة الرجل الحلم ومقارنة بين الصورة والواقع وبين سرابية الرجل تارة والجمود والتشتت الى تلاشيه نهائيا كاشفا أسرار خصوصية ظامئة للرجل الحلم، معللا دخوله ذلك بأن كل قضايا المرأة تخرج من مشكاة واحدة وهي الرغبة في تحقيق الحلم، وأجده هنا استطاع قراءة النصوص بوعيه التام.
ودخولا في جنس أدبيٍّ جديد يدخل الى مسرح القصة محاولا إيجاد القيمة للرجل الحلم وهو يقوم بقراءة في إنتاجات نسوية يمنية، وهنا يستخدم مفردة حديثة هي الحلم اليوتيوبي” مغامرا في خوض تفكيك النص السردي القصصي مقتطعا ما يريده بلغة سلسة وبمعرفة تامة لأساسيات الكتابة وقواعد القصة، مبينا نقطة مهمة ألا وهي نظرة المرأة للرجل وأبعادها المجتمعية والنفسية، كي يصل إلى أن المرأة استطاعت من خلال السرد التعبير عن قضاياها بنقلها صورة الرجل صوب عينيها ..
وصولا الى كتاب “صنعاء من أب” وعلى جناح اللغة يواصل علي احمد عبده قاسم الدخول الى عرين الأسد فيحاول هذه المرة خوض تجربته الجديدة ألا وهي جمالية العلامة السيميائية في كتاب صنعاء محاولا عكس دلالة الكتاب وارتباطها بالأبعاد الجمالية والفنية والتاريخية واضعاً صوب عينيه انه يتحدث عن رائد للتنوير ناقلا رأيه الشخصي عن سيميائية ارتباط النص بالمكان والمكان بالانسان والتاريخ موضحا أداته الجديدة وهي علم السيمياء متبحرا في السيملوجيا والعلامات موضحا ما قاله بعض رواد النقد مشتغلا على عكس القيمة على الموضوع وموضحا ان العنوان هوعتبابة النص الذي يأخذ القارئ الى مقصدية الشاعر متبحرا في السيميائية بمدلولاتها المركبة التي تفتح آفاقا جديدة غير متوقعة، آخذًا بعين الاعتبار العلامة السيملوجية التي تعكس دلالات معينة موضحا في النهاية ان الشاعر يحمل مقصدية الخطاب إلى القارئ الذي يحثه على الوقوف بين الرمز اللغوي والتأثير العميق ..

الخلاصة والاستنتاج
أعتقد أن ما يدور في ذهن العملية النقدية بشكل عام هي هم القراءة النقدية السليمة واساسياتها الصحيحة، فالنقد بصورة العامة يحاول الوصول إلى ما هو أعمق من قراءة النص، ولكن الوصول الى عمق القراءة النقدية وهي البنية والادوات الكفيلة بأن تكون عملية النقد بعيدةً عن الإسقاط.
البيئية أو النفسية أو الايديلوجية للكاتب وهنا يكمن السر.. فأنا أرى بعد قراءة القراءة أن الأستاذ علي احمد عبده حاول في أكثر من موضع أو في أغلب الأبواب أن يرتكز على هذه القيمة التي ربما تميزه عن الناقد العادي وتجعل كتابه يتصدر الكتب النقدية ، وهي استخدامه للأدوات التقليدية مع توسيع الدائرة وتعميق الفكرة برؤية علمية لا أدبية وبنظرة تعليمية باستخدام التوضيح لا الإعجاز والتسهيل لا التصعيب يجعل من الكتاب مرجعا نقديا مهما جدا، إن لم يكن باكورة أسلوب حديث ومنهجية جديدة ..
أما أماكن الضعف التي أرى أنها وجدت في الكتاب والتي لن اسميها نقاط ضعف بل إضافات زائدة أرهقت الكتاب لأنها مكررة، هي وجود بعض النصوص الزائدة عن حاجة الكتاب وإن كان قد اشتغل عليها بأسلوبه الخاص وبحبكته الفريدة إلا أنها لم تكن إلا تكرارا، ويرجع ذلك بنظري إلى رغبته في زيادة التوضيح وليس إلى كونه قَصَدَ الإكثار من الحشو.
وما أثلج صدري جدا هو أن الناقد استطاع بحرفيته وبأسلوبه الفريد الجمع بين كل الأجناس الأدبية وقدم لنا وجبة دسمة في كتاب واحد يتقاطع مع الجميع ويجمع القصة والنثر والشعر والمقالة والدراسة في طيات كتاب واحد ..

هوامش الكتاب:
الفصل الأول 26 مرجعا متناسيا هوامش المحور الثاني. الفصل الثاني 7 مراجع
الفصل الثالث 15 مرجعاً
الفصل الرابع 9 مراجع
بينما اكتفى بالمصدر نفسه في الفصل الخامس مع الإشارة الى رقم الصفحة.
الكتاب يحتوي على تمهيد يتحدث فيه الكاتب عن الكتاب باقتضاب شديد وينتهي بالخاتمة وهي الإيضاح أو كما يقول الخلاصة العامة للمحتوى الداخلي ..

قد يعجبك ايضا