هدير محمود
عادت منظمة الأمم المتحدة من جديد إلى التلويح بإمكانية إدراج التحالف السعودي في اليمن مجددًا على القائمة السوداء للدول المتهمة بارتكاب جرائم حرب، ليكون أمام المملكة خياران، إما أن تقبل بعودة تحالفها للقائمة السوداء وهو ما يفتح الباب أمام محاكمتها دوليًا بتهمة ارتكاب جرائم ضد الأطفال في اليمن، وإما أن تبحث مجددًا عن ورقة ضغط تستخدمها في مواجهة الأمم المتحدة.
وقالت مصادر دبلوماسية بالأمم المتحدة، إن الرياض لم تقدم أدلة كافية تستوجب رفعها بشكل دائم من القائمة، إلا أن مسؤولين بالأمم المتحدة يعتزمون السفر إلى الرياض للحصول على مزيد من التفاصيل بشأن قضايا متنوعة مثل قواعد الاشتباك، حيث أرسلت السعودية قبل أسبوعين رسالة قالت مصادر دبلوماسية إنها لم تعالج مخاوف الأمم المتحدة بشأن المخاطر التي يتعرض لها الأطفال في اليمن ووصفها مصدر بأنها شكلية.
وقال أحد المصادر الدبلوماسية إن رسالة ثانية تلقتها الأمم المتحدة، الخميس الماضي، لا تتصدى لجميع المخاوف لكنها جيدة بما يكفي لمواصلة التقييم المشترك، وأضاف المصدر: هم مستعدون لمواصلة الحوار ويقبلون رسميًا القانون الدولي الإنساني ويقدمون جميع أنواع المعلومات المفيدة لتجنب ومنع حوادث تؤثر على الأطفال مستقبلًا، لكن المصدر أشار إلى أن الأمم المتحدة لا تزال بحاجة إلى مزيد من التفاصيل.
يأتي ذلك بعد شهرين من إدراج الأمم المتحدة التحالف العسكري الذي تقوده السعودية على القائمة السوداء السنوية للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال خلال الصراعات، حيث أفاد التقرير السنوي للأمم المتحدة بشأن الأطفال والصراع المسلح في يونيو الماضي، بأن تحالف العدوان السعودي على اليمن مسؤول عن 60 % من وفيات وإصابات الأطفال في اليمن العام الماضي، بعد أن قتل 510 أطفال وأصاب 667 طفلا.
انتفضت السعودية، حينها، لهذا التقرير الأممي الذي كان صفعة للمملكة وخطوة أولية على طريق محاسبتها، خاصة أنها كانت قد تلقت صفعة قبلها بأيام من الكونجرس الأمريكي بعدما هدد بمحاكمتها على تورط مواطنيها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبحثت المملكة حينها عن مخرج من هذا المأزق، فاختارت التهديد بخفض تمويلها لمنظمة الأمم المتحدة على اعتبار أنها المانح الرئيسي، كما هددت بإمكانية إصدار فتوى باعتبارها منظمة مناهضة للمسلمين، الأمر الذي سيلحق أضرارًا بتمويلات المنظمة وخطة عملها.
استجابت الأمم المتحدة للضغوط السعودية، واختارت رفع التحالف بشكل مؤقت من القائمة السوداء، بحجة إجراء مراجعة مشتركة بين الأمم المتحدة والتحالف بشأن حالات الوفاة والإصابة بين الأطفال في الغارات على اليمن، وحينها انتفضت العديد من المنظمات والهيئات الحقوقية تنديدًا بالخضوع لإملاءات المملكة، واتهمت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة بالاستسلام أمام مطالب الرياض، الأمر الذي قالت إنه يُفقد الأمم المتحدة مصداقيتها، فيما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن المنظمة الدولية رضخت لضغوط السعودية.
حاول الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الدفاع عن المنظمة وموقفها من خلال الكشف عن تعرضها لضغوط كبيرة بشأن التقرير، وقال إنه تعرض لضغوط شديدة لإزالة اسم السعودية وبعض حلفائها من القائمة السوداء، وأوضح أن الإدراج على القائمة السوداء أدى إلى تهديد عدد من الدول بقطع تمويل ضروري لكثير من برامج الأمم المتحدة، الأمر الذي من شأنه التسبب في معاناة ملايين آخرين من الأطفال، وأضاف أن قرار رفع التحالف بصفة مؤقتة من القائمة السوداء هو أصعب قرار اتخذه على الاطلاق.
بعد إعلان المنظمة رفع السعودية من القائمة السوداء، التقى بان كي مون، مع ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، وقال سفير السعودية لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، إن نتائج الاجتماع إيجابية جدًا، واصفًا العلاقة بين السعودية والمنظمة بأنها ممتازة، وأثنى الأمين العام للأمم المتحدة حينها على ما تقدمه المملكة من مساعدات للنازحين السوريين وللدول النامية، منوها بدورها القيادي في المنطقة والعالم، ودعمها القوي للأمم المتحدة ومؤسساتها منذ التأسيس.
من المفترض أن تتخذ هيئة الأمم المتحدة قرارا صارما ونهائيا بشأن إدراج التحالف السعودي على القائمة السوداء أو عدم إدراجه، إذ من المقرر أن يناقش مجلس الأمن الدولي تقرير المنظمة الأممية في أغسطس الجاري.
* كاتبة صحفية مصرية “البديل”