حوار الكويت محطة أمل وتفاؤل
ا/د عبدالعزيز صالح بن حبتور
تصاعدت حِدة المواجهات العسكريّة على طول جبهات القتال وعلى كل خطوط تماس المواجهة العسكرية والإعلامية وحتى التحريضية، وزاد من شدة المواجهة الدامية ما تقوم به غارات طيران تحالف العدوان العربي بقيادة المملكة السعودية على الأراضي اليمنية، وما تتركه من آثار موجعة وخسائر بشرية كبيرة جل ضحاياها من المدنيين البسطاء، وترافق ذلك التوتير والمواجهات الدامية مع موجة صخب إعلامي واسع، وحرب تصريحات إعلامية وإعلامية مضادة من كل المستويات القيادية تقريباً .
وكانت نهاية شهر رمضان المبارك وأيام عيد الفطر السعيد والأيام التي تلتها مسرحاً زمنياً لكل تلك التراشقات بالذخيرة الحية أو التصريحات الإعلامية الساخنة، طرفا القتال في الساحات لم يتركا ذخيرة واحدة إلا ووظفاها، وكان آخرها قصف طيران السعودية على إحدى قُرى نِهم بمحافظة صنعاء مما أدى ألى باستشهاد أسرة كاملة مكونة من عشرة أفراد ، هم من الأطفال، النساء، الشباب والشيوخ العُزَّل، وانطلاق الصاروخ (العظيم) توشكا الذي أوقع ما لا يقل عن 179 قتيلاً من “جيش” أنصار السعودية من بينهم ( إسرائيليون ، سنغاليون، سودانيون، أردنيَون، مغاربة، سعوديون، خليجيون، وأنصار السعودية من اليمنيين، وبالمناسبة فإن جميع القتلى هم مُرتزقة أكانوا عُرباناً أو يمنيين أو من جنسيات أجنبية، لأنهم حضروا إلى اليمن للقتال مقابل المال المدنس القَذر (السعودي – الإماراتي – القطري) ليس إلاّ .
هذا السجال القتالي بين الجيش اليمني والأمن واللجان الشعبية من جهة ، وحلف العدوان السعودي ومرتزقتهم من كل أصقاع الدنيا من جهة ثانية ، لم يُله المواطن اليمني البسيط الساكن في قلب الأحياء بالمدن والقرى عن التطّلع لشيء آخر هام ، إذ يرنوا ببصره وبصيرته صوب الكويت الشقيق لأمل في الله عز وجل كي يصنع السلام والأمان والاستقرار للوطن، لأن حالة المُواطنين الحياتية والمعيشية أصبحت مُزرية ، ويعيش في أدنى مراتبها ، فالغالبية منهم ، لا وظيفة حكومية لديهم كي يستلموا عليها مرتب في آخر الشهر، وليس لديهم أحد من أسرتهم مُغترب في مهاجر الدنيا كي يبعث لهم بمصروف الأولاد نهاية كل شهر ، وحقولهم الزراعية أصبحت متوقفة عن الزراعة تقريباً في مُعظمها بسبب شُح الوقود وارتفاع أسعاره المتصاعدة بجنون، ولم يعد يجد فرصة عمل لأن مُعظم المصانع أغلقت بسبب التدمير من قبل الطيران السعودي ، والبعض الآخر متوقف بسبب الحصار الجائر وبذلك توقف النشاط الاقتصادي في مُجمله ، ولهذا المواطن لم يعد يحصل على أي دخل شهري كي يستر به احتياجات أُسرته، إذاً فكل الأبواب موصدةٍ أمام هذا المواطن الفقير من أقصى جنوب اليمن إلى شماله ومن أبعد قرية في شرق اليمن إلى آخر نقطة في غربه ، وبوضوح أكثر فإن الغالبية العُظمى من المواطنين ينتظرون الموت البطيء المُحقق كي يلاقوا حتفهم في أية لحظة من لحظات حياتهم، كما تشير مؤشرات تقارير الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية والخارجية إلى وقوع الكارثة الإنسـانية لا محالة .
هكذا حال الغالبية العُظمى من مواطني الجمهورية اليمنية، يعيشون في قمة المعاناة، البؤس، الحرمان والفقر المُدقع، لكن بعض السياسيين (المُحترفين) كأنهم لا يسمعون ولا يشاهدون كل هذا الأنين المؤلم القاتل لمواطنيهم، أو أنهم (مسؤولون) عن شعب آخر يعيش في جزر (واق الواق) ولا يعيش باليمن السعيد، وأن كل ما يحدث وتنقله لهم وسائل الإعلام المحايدة نسبياً أولاً بأول لكل هذا الكم الهائل من المعاناة للمواطن البسيط لا يشاهدوه ولا يعنيهم في شيء، وإن شاهدوه لا يحرّك لهم جفناً واحداً من وخز الضمير، وإن هؤلاء النفر (من المسؤولين) يعيشون حالة انفصام تام عن الواقع تماماً، لم تعد ضمائرهم الشخصية تؤرقهم ، ولم يعودوا يخافون الله ولا نظرات عيون الأطفال ولا شحوب نظرات النساء والشيوخ والمرضى.
قبل يومين بدأت مشاورات الكويت في نسختها الثانية بين ممثلي طرفي النزاع السياسي باليمن من جديد ، فالوفد الأول أقلعت طائرته من العاصمة اليمنية صنعاء والوفد الثاني أقلعت طائرته من (مقره الدائم) من العاصمة السعودية بالرياض، الجميع يتحمل المسؤولية التاريخية عن استمرار نزيف الدم اليمني، والمعرقل منهما سيُلعن في كل كُتب التاريخ التي ستحكي رواية المأساة المؤلمة للشعب اليمني .
الحل المنطقي والقابل للنجاح والاستمرار، هو في (حزمة الحل الكاملة) بالمشاركة الوطنية في إدارة دفة البلاد في المرحلة الانتقالية في سلطة سياسية وطنية توافقية، مع مصالحة وطنية كُبرى، وليس هناك حلٍ قادمٍ قائمٍاً على إقصاء طرف لطرف آخر، كما أن الرهانات على وهم الانتصار عبر الحل العسكري ثبت فشلها تماماً لدواعي الجغرافيا الملتحمة بالديموغرافيا وفولاذية الإرادة الوطنية، وان الدخول في تفاصيل ( إبليس ) لطلب الحل السحري يعد مضيعة للوقت ، وان المستفيد من إطالة أمد الحرب والحصار نَفَر لا يتجاوزوا أصابع اليدين والرجلين من تجار الحروب، ولكن على الكل أن يدرك أن المستفيد والرابح الأكبر من تمدد جغرافية الحرب والمعارك هو تنظيما الإرهاب والفوضى من عصابات القاعدة وداعش والعصابات المُسلحة غير (المُهيكلة) والتي تضرب يميناً وشمالاً في كل وقت وزمان ومتى شاءت.
إن النصيحة الهامة التي يقدمها المواطن البسيط في بلدكم اليمن، وأنتم الفرقاء السياسيين على طاولة الحوار بالكويت هي أن تتحرروا من تغول وسائل الإعلام وتأثيرها النفسي التي تضطرم مفرداتها النارية العدوانية في هذه المرحلة المفصلية من فصول الحوار السياسي بين اليمنيين .
فالخـلاصـة :
قال الله محكم كتابه الكريم ? وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ? [النساء: 128] ، وفي الآية الكريمة الثانية لذات المدلول : ? لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ? [النساء: 114].
إنها آيات بينات لذوي الألباب، وتذكير لنا جميعاً بأن هذه الآيات الكريمة بمثابة دروس وعضات من الله عز وجل، هي للتطبيق على الأرض وليست للاستعراض البلاغي من على منابر الجوامع والمساجد وفي ساحات الاعتصامات والمهرجـانات، والله أعلم .
(( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ))
محافظ محافظة عدن.