إسلام أبو العز
شهدت الأسابيع الأخيرة انتعاشاً في العلاقات الخارجية لإسرائيل، وذلك بوضع لمسات أخيرة على مسارات توسيع وإصلاح علاقاتها الخارجية وخاصة العربية في السنوات الأخيرة، سواء التي بينها وبينهم علاقات رسمية علنية مثل مصر والأردن، أو التي بينها وبين تل أبيب علاقات غير رسمية مثل دول خليجية على رأسها السعودية، والتي توجت العلاقات العربية الإسرائيلية عقب سنوات مع التعاطي المقيد برحابة التعاون الاستراتيجي على كافة الأصعدة سواء في العلاقات الثنائية، أو على مستوى الاصطفاف والتحالف الإقليمي على أساس المصالح المشتركة، دون الاعتبار حتى لأي “معوقات” كانت في الماضي تسَوق على أنها من شروط التطبيع بين باقي الدول العربية وإسرائيل، وأولها حل للقضية الفلسطينية.
هذا التقارب العلني متسارع الوتيرة يأتي على خلفية دافعين أساسيين؛ أولهما التصدي للطموحات الإيرانية كقوة إقليمية مهيمنة تزعج كلاً من السعودية وإسرائيل سواء على مستوى إقليمي أو على مستوى دولي مثمثلا في الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية، والذي يدفع طهران إلى الأمام عدة خطوات على الأصعدة السياسية والاقتصادية. وثانيهما إدارة مشتركة متكاملة للمنطقة وملفاتها وتوسيع محور “الاعتدال” ليشمل معظم الدول العربية بعيداً عن الإشراف الأمريكي خاصة بعد سحب واشنطن يدها بالتدخل المباشر لصالح حلفائها الإقليميين وعلى رأسهم تل أبيب والرياض، وهو ما أزعج الطرفين في السنوات الخمس الماضية خاصة مع التطورات الدرامية في المنطقة التي بدأت في 2011م وأفضت إلى “داعش” وأخواتها وانفلات طوق هذه الكيانات، بالإضافة إلى تسوية الإدارة الأمريكية الحالية لمسألة الملف النووي مع إيران، وهو ما جعل المسؤولين في السعودية وإسرائيل يعملون سوياً على تعويض ما فُقد من معادلة كانت تميل بحكم العادة لصالحهم حتى عام 2010م.
لكن على الجانب الإسرائيلي كان هناك ما هو أبعد من الدافعين السابقين، وهو ضمانة قدمتها دول عربية لإسرائيل باستمرارها ودمجها في المنطقة كدولة طبيعية بل وحتى دولة محورية، وهو ما يضمن محيطاً استراتيجياً مطوعاً لسياساتها على مستوى استراتيجي، تكون تل أبيب بمثابة المركز والثقل السياسي على صعيد إقليمي ودولي، مع فوائد ثانوية أخرى كالتصدي المشترك لـ”الإرهاب”، الذي هو حسب أدبيات السياسة الإسرائيلية يشمل كافة حركات المقاومة –لاحظ ما حدث في فبراير الماضي برعاية سعودية في تمرير قرار للجامعة العربية بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية– في المنطقة، كذلك الأمر بالنسبة لإعادة إستراتيجية تدجين بعض من هذه المقاومة وتحديداً في غزة، سواء عن طريق نفوذ إقليمي يُمارس عبر دول عربية مثل مصر والسعودية على حركة حماس، أو استمالتها عبر تركيا وتحجيم خطورتها على إسرائيل.
هذه الفرصة المميزة استغلتها إسرائيل، وليس من الغريب أن نجد أن مؤتمر هرتسليا الاستراتيجي الذي يُعقد سنوياً في إسرائيل يوصي منذ ثلاثة أعوام بـ”توسيع مجالات التعاون الاستراتيجي مع دول الخليج”، وصولاً إلى مشاركة عربية معتبرة هذا العام في المؤتمر نفسه والوصول لتوصيات موحدة تربط مصائر الدول العربية وإسرائيل ببعضهما البعض، وكذلك وحدة التحديات. فأضحى الآن توظيف ما حدث في المنطقة في السنوات الأخيرة لصالح تل أبيب لا يقف فقط على التعاون والتكامل بينها وبين دول عربية، ولكن أيضاً جعل إسرائيل في صدارة دول المنطقة بقيادة شبه مطلقة تحت غطاء التعاون والمصلحة المشتركة، فهرولت السعودية وغيرها من دول عربية لتوسيع علاقاتها تل أبيب، ليتم هذا حتى بعيد عن ما اعتاد أن يحدث برعاية أمريكية منذ اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي 1979م، والذي كان متعطلاً عن الوصول لمرحلة تعميمه عربياً بسبب تعطل مسار تسوية القضية الفلسطينية، وهو الملف الذي تراجع فيه الدور الأمريكي مثل ملفات عدة في الأعوام الأخيرة وفق استراتيجية إدارة أوباما في عدم خوض معارك نيابة عن حلفائهم – وهو ما كانت تلح عليه الرياض وتل أبيب بالنسبة لإيران- وهو ما جعل مسعى التقارب على مستوى ثنائي بين دول عربية بقيادة السعودية وبين إسرائيل، وذلك بأن تضفي الأولى على هذه العلاقات بعداً عربياً شاملاً سواء عن طريق مؤسسات دولية وإقليمية؛ مثل الأمم المتحدة وهيئاتها التي صوتت فيها دول عربية لصالح إسرائيل أكثر من مرة في الفترة الأخيرة، أو عبر الجامعة العربية وتكامل قراراتها مع المصلحة الإسرائيلية في اعتبار حزب الله منظمة إرهابية. بل إن البعض يذهب في تفسير عدد من الإجراءات والقرارات بين الدول العربية مؤخراً إلى أنها تصب في اتجاه المصلحة الإسرائيلية أولاً، مثل اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية قبل 3أشهر، والتي ثمرتها الأهم بالنسبة لإسرائيل هو توصيل محيطها الجيوسياسي بالمحيط الجيوسياسي للسعودية –على حساب مصر التي تخلت قيادتها عن ممرات مائية استراتيجية- وما سينتج عن هذا الأمر من تطوير وتعميق للعلاقات بين تل أبيب والرياض، وبالتالي بين الأولى ومعظم الدول العربية.
على الجانب الآخر، ماذا استفادت الدول العربية المهرولة نحو إسرائيل من هرولتها هذه؟.. في الواقع إن حصيلة العلاقات الخارجية لإسرائيل في الأسابيع الأخيرة أتت وعلى أحسن تقدير ضد بديهيات تحالفها المفترض مع دول عربية وعلى رأسها مصر، سواء كان ذلك عبر اتفاق المصالحة مع تركيا، أو عبر جولة نتنياهو الأخيرة في أفريقيا، والتي تعزز موقف أثيوبيا ضد مصر فيما يتعلق بملف سد النهضة، التي تدعم إنشاءه وتمويله هو ومشاريع مماثلة مستقبلية إسرائيل وبشكل علني، مع الأخذ في الاعتبار أن هذين المثآلين حدثا في غضون أسابيع قليلة وبموازاة التماهي المصري/العربي مع تل أبيب في أكثر من ملف وموضع، وللعلم أيضاً لم تكن هذه الإشارة الأولى من جانب إسرائيل التي تعمل عكس ماهو مفترض من تعاون إقليمي مع مصر، بل بدأت هذا قبل عامين وأثناء عدوانها على غزة بميلها للوسيط التركي ومبادرته على حساب الوسيط المصري ومبادرته، وهو ما كان سيعني حال حدوثه مأسسة دور سياسي لأنقرة في غزة على حساب القاهرة التي كانت ولا تزال على خلاف مع الأولى منذ يوليو 2013م، وهو ما تجددت فرصة بقوة بعد اتفاق المصالحة الأخير بين أنقرة وتل أبيب، والذي سيسمح للأولى بلعب دور أكبر في القطاع الذي تعتبره القاهرة منذ عقود شأناً حيوياً على مستويات سياسية وأمنية.
الخلاصة، إن العلاقات بين دول عربية وإسرائيل ليست متكافئة، بشكل عام، من حيث المصلحة المرجوة والمنافع المشتركة لكل من الطرفين، بل إنه يمكن القول إن تل أبيب لا ترى فيها إلا استثماراً وتوظيفاً حصرياً لمصالحها الإستراتيجية في تسيَد القرار الإقليمي والهيمنة عليه، بل إنه يمكن القول أيضاً إنها تعمل ضد مصالح بعض من هذه الدول العربية وعلى رأسها مصر التي تتبع حالياً السعودية في سياسة الانفتاح على إسرائيل والتحالف المطلق معها، فحسب الظاهر إن تل أبيب بإجراءاتها الأخيرة في غزة واتفاقها مع أنقرة التي تعتبرها القاهرة خصمها الأول، وكذا في دول حوض النيل وأثيوبيا على وجه الخصوص، تأتي ضد المصلحة المصرية المباشرة، وهو ما ينم عن ارتجال وعدم وضوح رؤية في توازنات القاهرة لسياساتها الخارجية، خاصة وأن هذا الأمر تكرر في السابق مع إسرائيل “الحليفة” قبل عامين، وأيضاً مع السعودية الحليفة أيضاً، والتي ذهبت إلى دعم السودان وأثيوبيا العام الماضي ضد القاهرة.