في كتابه الجديد الصادر عن دار الانتشار العربي بالقاهرة بعنوان «الممارسة النقدية»، يؤكد مؤلفه الدكتور عادل ضرغام، على أن الممارسة النقدية تشكل مواجهة كاشفة عن أدوات الناقد وعن ثقافته، وعن مرونته في تشكيل وتطويع آليات المنهج المحدد.ويقول ضرغام، أستاذ الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم في جامعة الفيوم، إن الممارسة النقدية ليست منهجاً نقدياً وإن كانت تستند إلى آليات المنهج وإجراءاته، فهي تزيد على المنهج بـ «المرونة في التعامل مع النصوص»، علاوة على أن تطبيق آليات المنهج بشكل كامل، ربما لا يكون مجدياً للوصول إلى نتائج علمية كاشفة أو بناء إطار معرفي قائم على الاختلاف أو التشابه بين الشعراء أو الروائيين محل الدراسة.ومن هذا المنطلق، فهو يرى أن تطبيق آليات منهج «جينيت» في دراسة البنية السردية دون محاولة التعاظم على هذا المنهج، لن تجعلنا قريبين من روائي محدد؛ لأن إجراءات هذا المنهج قائمة على مقاربة المتاح أو المتشابه بين الروائيين، ومن ثم لن يزودنا في النهاية بمعرفة أكثر قيمة عن روائي محدد، بل إن المقاربة في ذلك السياق ستكون ثابتة.ويضيف ان قيمة الممارسة النقدية تأتي من هنا، لأنها تختلف باختلاف الناقد وباختلاف ثقافته، فهي توجد تعدداً لأشكال التجليات المنهجية لمنهج نقدي واحد في التعامل مع النصوص، وهي لا توجد تعدداً منهجياً بقدر فاعليتها وارتباطها بتعدد إجراءات منهجية يتم الارتكان إليها واستخدامها.ويستعين في هذا السياق برؤية الناقد د.أحمد عزفي، بأن الناقد حين يستند إلى هذا التعدد في الإجراءات المنهجية قد لا يكون مدركاً لهذا التعدد أو واعياً به، لأن التحولات المنهجية التي مر بها النقد في السنوات الأخيرة تحولات سريعة ومهمة، ويتبقى منها إجراءات لها سمة الفاعلية والنفاذ حتى لو أصبح المنهج الذي أوجدها من الماضي، ولكنه يظل حاضراً من خلال هذا الإجراء المترسب في الوعي النقدي.وعلى هذا، فالتعدد الذي نمارسه في الممارسة النقدية ليس تعدداً منهجياً بقدر كونه تعدداً إجرائياً، يحاول التعاظم على نمطية المنهج الساكن، ويحاول أيضاً التعاظم على فكرة الاستلاب المنهجي التي يقع فيها بعض الباحثين، فيشعر القارئ في إطارها بنمطية مميتة في التناول والتبويب، ويفقد الفن معها حضوره الفاعل، وقيمته المشدودة في التفريق بين مبدع وآخر.ويقول ضرغام إن هذا التعدد الإجرائي الذي نلمح مظاهره في بعض المقاربات المنهجية، لا يمكن أن يكون مجدياً إلا إذا كان هناك خيط يجمع ويكيّف ويوجّه هذه الإجراءات بحساسية شديدة، حتى يشعر القارئ بالاتساق، بين الإجراء المهيمن والفاعل بحضوره المكثف، والإجراءات الأخرى الفرعية المترسبة داخل الناقد أو الباحث، وقد لا يشعر بوجودها المادي، وإنما يشعر بها في توجيه الحركة أو تشكيل فرضية أو نفيها.ويوضح الناقد في كتابه أن الممارسة النقدية لا تكفل هذا التعدد فقط، وإنما تكفل أيضاً تعاملاً خاصاً أقرب إلى «الهدهدة» مع النصوص الأدبية بعيداً عن التوجه القائم على التشريح أو المنهجية في تجليها المثالي، الذي يمكن أن يكون سبباً في القضاء على الفن برهافته الخاصة، التي تحتاج نظرة حانية للاقتراب منها، والإمساك بجوهرها المتفلت.ويشير إلى أن ممارسة الناقد تختلف باختلاف النص، وباختلاف قدرته في كل مرحلة زمنية، تلك القدرة المنبثقة عن الوعي الثقافي في تجليّه، فالناقد ليس سطحاً ساكناً أو ثابتاً، وإنما هو مرآة تعكس كل التنوعات الثقافية المختلفة، ويكون لهذه التعددية الثقافية أثر فعّال في تشكيل الخطوات، وتحديد الاتجاه، وكيفية السير في منحنيات النص بتجليه المعرفي.ويضيف ان الممارسة النقدية تأتي محاولة إسدال نوع من المغايرة بين تلك المقاربة والمقاربات المشدودة إلى توظيف النص التراثي، والمغايرة ليست مرتبطة بالتحول من «التوظيف التراثي» إلى «التناص» فقط، وإنما هي محاولة تخصيب وتفعيل في الأساس، حيث تستند الممارسة النقدية إلى وعي بالمراحل التي مر بها النص الأدبي.ويضمّن الناقد كتابه دراسة حول الوعي الذاتي بالآخر في شعر صلاح عبدالصبور، مؤكداً أن المقاربة هنا جاءت منطلقة من طبيعة التحول التي أصابت الشعرية العربية في تلك الفترة المرتبطة بالتعبير والاهتمام بالآخر بعيداً عن الذات، والاهتمام بالرصد بعيداً عن التعبير، والاهتمام بالإخبار بديلاً عن التشكيل البياني.وتبحث الدراسة عن الآليات التي كفّلها ذلك التحول، وفاعلية تلك الآليات في بناء كون شعري يكشف عن المغايرة والاختلاف انطلاقاً من لحظة حضارية ترى أن الفن لا يرتبط بمقاربة ذاتٍ منفصلة عن العالم.ويتناول ضرغام سلطة النموذج في قصيدة «اعترافات العمر الخائب» للشاعر فاروق شوشة، موضحاً أنها تكشف عمق خيبات الإنسان المعاصر الذي يعيش وفق عالمين: عالم واقعي صادم، وعالم متخيل يشكله كل صباح ويعاينه كل مساء، ليقيس حجم المتحقق منه، وحجم المتأبي عن التحقيق.