مكي أحد القيادات الذين حافظوا على الثورة وبنوا الدولة
إسحق محمد صلاح
هو الفقيد حسن محمد مكي زكري الحكمي سليل أسرة مناضلة وابن قبيلة الحكامية التهامية التي مركزها المخلاف السليماني وينتشر أبناؤها في معظم أرجاء تهامة وإليها ينسب ابو عبدالله الجراح ابن عبدالله الحكمي فاتح خراسان ووالي الدولة الأموية على سجستان وبلاد القوقاز كما ينسب إليها الشاعر المؤرخ عمار الحكمي صاحب كتاب المفيد في تاريخ صنعاء وزبيد ناهيك عن الأدوار البارزة لقبيلة الحكامية نفسها في مقاومة الاحتلال العثماني برعاية الإمام الإدريسي وقيادة صهر الفقيد مكي الشيخ محمد طاهر رضوان الكناني ناهيك عما قام به والد الفقيد محمد مكي في نهاية 1932م ضد الاستيلاء السعودي المسلح لشمال تهامة (المخلاف السليماني ) وكادت المقاومة ان تنجز الاستقلال لو لا التآمر البريطاني الإمامي مع السعوديين وهو ما جعل أسرة الفقيد تنزح جنوباً مع والده إلى عبس ثم الحديدة ومشاركته في ثورة 1948م ’ وفي ظل هذه الظروف بدأ الفقيد تعليمه الأولي بالحديدة قبل ابتعاثه إلى لبنان ثم مصر وإيطاليا التي تخرج منها دكتوراً في السياسة والاقتصاد عام 1960 م ولذا عند قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م عين في أول تشكيل حكومي عقب الثورة وكيلاً لوزارة الاقتصاد ورئيساً للبنك اليمني للإنشاء والتعمير بدلاً عن البنك الأهلي السعودي الذي أشرف على تصفية أعماله ومثل ذلك أول امتحان مؤسسي جاد لميلاد الجمهورية وبرنامجها التحديثي الوطني المستقل وبنجاح تلك الخطوة الهامة عين 1963م وزيراً للاقتصاد فبدأ بوضع اللبنات الأولى لاقتصاد وطني فتي فأقام شركة المحروقات اليمنية عندما كانت اليمن في السنوات الأولى من عمر الجمهورية تعاني من توفير الوقود والزيوت والاحتياجات الخاصة للدبابات وعربات النقل والطائرات كما ساهم في إصدار أول عملة وطنية للجمهورية العربية اليمنية “سابقاً تعتمد الريال اليمني بدلاً من الريال الفضي النمساوي وتبنى البرمجة بالاستناد إلى مركز الإحصاء وعند انتقاله وزيراً للخارجية أسس الهيكلة الحديثة للدبلوماسية اليمنية وعمل عبر قيادته للعمل الدبلوماسي والسياسي على خلق علاقات مع الاتحاد السوفيتي والصين وأوروبا الشرقية تدعم التسليح والتدريب للجيش اليمني للدفاع عن الثورة وتدعيم التنمية وبناء الدولة الجمهورية الوليدة والتي كانت تواجه حرباً مع القبائل الملكية الطائفية والمعززة بالمرتزقة الأوروبيين والعرب والمدعومة من السعودية وبريطانيا والأردن وإيران وباكستان ولم تمنع الفقيد ظروف الحرب والدفاع عن الثورة من الاهتمام بالاقتصاد والتنمية فعمل على إبرام اتفاقية تشييد السوفيت مصنع الأسمنت بباجل وإقامة الصين مصنع الغزل والنسيج بصنعاء لخلق فرص عمل وتشكيل موارد قومية إنتاجية صناعية لأول مرة في تاريخ اليمن .
وعلى الصعيد السياسي تصدى الفقيد لمؤتمر الطائف الخياني عام 1965م ورفض الاصطفاف مع المزدوجين الجمهوريين الذين حضروا ذلك المؤتمر برشاوى مدنسة للانقلاب على الجمهورية وتحويلها إلى دولة إسلامية وبقي الفقيد عنواناً للثبات على الجمهوية أو الموت في مؤتمر حرض أيضاً ثم في لقاء اللجنة الثلاثية في بيروت وملاسنته مع السفير السعودي هناك عندما نافقت معه قيادات محسوبة على الجمهورية بتصريحات زائفة أن الجمهوية آيلة للسقوط وتصدى مكي لتلك المغالطات فهدده السفير بالسحل في شوارع صنعاء لما زُعم له بأن صنعاء آيلة للسقوط مع الملكيين و لم يزد الفقيد ذلك التهديد إلا إصرارا على الدفاع عن الثورة و الجمهورية وبادر فور سماعه نداء الرئيس عبدالرحمن الارياني للقيادات الجمهورية في الخارج وبالأخص العسكرية سرعة العودة إلى صنعاء في بداية الحصار حتى بادر للبحث بأي طريقة للعودة الى صنعاء مع زميله العقيد المناضل عبداللطيف ظيف الله عبر أسمرة بينما تخلف الجنرال المطلوب لقيادة الجيش اليمني من مطار أسوان عندما سمع بعض الإشاعات من الجنود المصريين القادمين من صنعاء بأن الملكيين يحاصرون صنعاء .
وعاد الفقيد إلى صنعاء واستنفر كل اتصالاته لحشد المتطوعين ثم الدفاع عن المقاومة الشعبية في الحديدة شريان المدد للدفاع عن صنعاء عندما تآمر على المقاومة السفير السعودي والشيخ الذي نصب نفسه محافظاً للحديدة وتمكن الفقيد ومعه العقيد المناضل عبداللطيف ظيف الله واحمد عبدربه العواضي من تهيئة المتطوعين والمؤمنين بالجمهوية من أبناء القوات المسلحة والتوجة بهم من الحديدة إلى صنعاء مدعومين بالطائرة السوخوي التي اقنع السوفيت إعطائها اليمن من قاعدة الحديدة الجوية في فك طريق الحديدة صنعاء والوصول إلى صنعاء والالتحام مع الوحدات العسكرية التي كانت تدافع عن صنعاء ومعهم المقاومة الشعبية وطلاب الكليات العسكرية ودحر الملكين عن صنعاء إلى غير رجعه بفضل جهود الشرفاء أمثال الفقيد والذي تعرض للموت غير مرة وهو يتعهد المدد في مطار جنوب صنعاء ومرة أخرى وهو يحاول إيقاف الاشتباكات بين الوحدات الجمهورية المتنافسة فأصيب بشظية في رأسه واستمر الفقيد بعد ذلك المشوار للدفاع عن الثورة وانتصارها يسهم في بناء الدولة وتنمية الإنسان ما وسعه من جهد فطور عند تعينه رئيساً لجامعة صنعاء الجامعة وضمٌن كلياتها افتتاح كلية القانون الى جانب الشريعة لتحديث القضاء ومقاومة الفساد ولم يبال بالتظاهرات التي افتعلتها القوى الظلامية التكفيرية حينها مجسداً صلابة الموقف الوطني وصدق الضمير الذي جعله عام 1974 وهو يزور السعودية بصفته رئيساً للوزراء يرفض طلب الدولة السعودية توقيعه عن المجلس الجمهوري للمصادقة على توقيع محمد احمد نعمان لتجديد اتفاقية الطائف الحدودية، وعندما كانت الحرب على الجنوب عام 1994م وهو نائب أول لرئيس الوزراء ظل رجل المواقف الصادقة الذي لا يجامل في حق الوطن رئيساً ولا يخاف إرهاب شيخ انتهازي يتاجر بالحروب فحذر من تلك الحرب وعارضها وبسبب ذلك كاد ان يفقد حياته بإطلاق النار عليه في عمل إرهابي همجي أودى بحياة حراسته الذين فدوه بأجسادهم وتلقوا الرصاص بدلاً عنه في يوم تاريخي فارق الحلكة مثل شاهداً على سقوط الدولة وما تبع ذلك من انقسامات وشحناء ومصائب تدحرجت مثل كرة الثلج حتى وصل الوطن إلى ما نحن فيه من كوارث نستجدي لها الحلول من الغير بعد فوات الأوان وفقيدنا من ثراه يطل بعينيه الدامعتين و لسان حاله يقول:
نصحتهموا نصحي بمنعرج اللوا ولم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد .
رحمك الله ايها الحسن ابن مكي في جنات الفردوس مع الصديقين والشهداء .
والحكيم من اعتبر
* المحامي العام