أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور
غادرت مدينة عدن قبل عام تقريباً في أثناء بدء الاجتياح الغاشم لها من قبل قوات المملكة السعودية والإمارات العربية وفيلق الجنجويد من السودان والشركة الأمنية الأمريكية ( بلاك ووتر ) ، إستطاعت هَذِه الجحافل المُعتدية النزول إلى أرضنا الطاهرة بعد انسحاب الجيش اليمني واللجان الشعبية منها لعدم التكافؤ على ارض الميدان من ناحية ولتجنيب عدن وأهلها الكرام المزيد من المعاناة والدمار والقتل ?
لكن ماذا حدث لعدن والمدن المجاورة بعد هذا الاحتلال المباشر ، دعونا نسرد بالوقائع على الأرض قصة المعاناة التراجيدية للمواطن اليمني في جنوب الوطن على النحو الآتي :
أولاً :
مُنذ اللحظة الأولى لتدنيس مدينة عدن ، أحضر الغُزاة معهم أطناناً من أعلام دول الاحتلال وصور قادته ووزعوها على مرتزقتهم وأذنابهم وعلى المغرر بهم من البسطاء ، يرفعون الأعلام والصور ويهتفون ( مرحباً سلمان ، مرحباً خليفة ، مرحباً تميم آل ثاني ???????الخ ) ، كان مشهد تلك المجاميع المسعورة والبريئة في آن حاملة رايات دول العدوان مشهداً حزيناً لكل أحرار اليمن ، أحسسنا جميعاً بحسرة غائرة في النفس لذلك المشهد المُخزي ، حتى أن الكاتب السعودي / جمال الخاشقجي قال في إحدى تغريداته مزهواً متفاخراً بالمشهد ( ليت الرئيس سالمين والرئيس عبدالفتاح ، والشهيد/ علي عنتر أحياء يرزقون للتمتع بمنظر شعبهم وهم يرفعون فوق هاماتهم أعلام وصور قادة دول الخليج العربي في ساحات عدن ، وهم الذين زرعوا فكرة العداء التاريخي بين اليمن الجنوبية وأشقائهم العربان في الجزيرة والخليج ) ، وأحضروا بالإضافة للأعلام والصور عدداً من البواخر العملاقة لتنقل لعدن أطنان من أنواع طلاء الأملشن ، ليقوموا بطلاء المدارس والمعاهد ورفع صور الشيخ خليفة بن زايد وأعلام مشيخة الإمارات على واجهات مدارس عدن.
ثانياً :
حضرت كل هذه الجحافل ومعها أحدث الآليات العسكرية من دبابات ومدافع ومختلف أنواع الأسلحة ، وتم تسليح كل المجموعات التي أُسميت بـ ( المقاومة ) ، ومن بينها المقاومون من تنظيمي القاعدة وداعش التي حُظيت بتسليح نوعي من قبل القوات الغازية ، هذه المجموعات الإرهابية خزنت كل ما سُلم لها في عدن وحتى إلى القرى التي يتحدر منها هؤلاء الإرهابيون ومنها مناطق في يافع وأبين ، بحسب معلومات موثقة قدمها الباحث الأكاديمي الإماراتي الدكتور/ خالد القاسمي الذي هدد تلك المجاميع المسلحة بأن كل آلية مقدمة من دولة الامارات المتحدة والسعودية وتم نهبها أو سرقتها بأنها ستضرب ، فإن لديها رقماً ترميزياً مبرمجاً مع الأقمار الإصطناعية ولهذ ستُدمر من طائرات التحاف ، إذاً تم تكديس الأسلحة الحديثة بالإضافة إلى ما نُهب من المعسكرات في عدن وضواحيها ، ويأتي السذج يتساءلون كيف تجري التفجيرات الإرهابية بهذه القسوة والوحشية ، لكن الأصل في فهم واستيعاب طبيعة مهمة العدوان وأجندته التخريبية في اليمن .
ثالثاً :
مُنذ اللحضات الأولى لقدوم الغُزاة إلى عدن بدأت تتسع عملية الاغتيالات للكوادر من منتسبي الأمن والقوات المسلحة والشخصيات الاجتماعية ، وانتشرت ظاهرة الاختطافات والتعذيب والقتل والسحل في الشوارع دون رادع من أحد .
رابعاً :
انتشرت ظاهرة التطرف المذهبي والديني وأصبحت تعم كل الأحياء تقريباً ، ويتضرر منها معظم فئات المجتمع في المدينة وضواحيها مثل ( قتل ونهب وتهجير الطائفة الكريمة من أبناء عدن الأسماعيليين ، واغتيال الراهبات المسيحيات في دار المسنيين بالشيخ عثمان ، وأغتيال الشاب محمد عمر باطويل ، واغتيال إمام الطائفة الجيلانية الصوفية الشيخ / علي عثمان ، واغتيال الشيخ العلامة / عبدالرحمن بن مرعي العدني بالفيوش بلحج ، واغتيال الشيخ السلفي / ياسر الحمومي بمدينة جعار بأبين ، وتهديم وحرق الكنائس بعدن وأضرحة أولياء الله الصالحين في عدن ولحج وحضرموت وقائمة الإدانات تطول .
خامساً :
انهيار كلي لمقومات إدارة مؤسسات الدولة في عدن والمناطق المجاورة ، لا توجد أجهزة شرطة أمنية ضبطية ولم تفعل أجهزة مؤسسات القضاء ، ولا الادارات والأجهزة الحكومية ، وانهيار كبير في الخدمات الصحية والتربوية ، وظلت المليشيات والعصابات والجماعات الإرهابية هي المتسيدة للمشهد برمته ، مما نتج عن هذا الوضع انتشار واسع للجريمة الجنائية والسياسية مثل ( نهب ممتلكات المواطنيين ونهب مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية ، نهب الأراضي والمساحات المخصصة كمتنفسات وحدائق للمدينة) .
سادساً :
طُغيان القرارات الارتجالية غير القانونية وغير السوية لتعميم الفوضى، كاتخاذ قرار منع دخول القات إلى عدن وما نتجت عنه من زيادة معاناة المنتجين والبائعين والدلالين وحتى المستهلكين ، وتحطيم المحلات المؤقتة وأكشاك الباعة الفقراء وحرمان المواطن الفقير من التسوق من هذا الصنف من التجارة الاستهلاكية السهلة والرخيصة ، وقرارات منع دخول اليمنيين الشماليين عبر مدينة الضالع وكرش بحجة ابعادهم من عدن ولا يسمح لهم بالدخول إلا بترخيص مسبق للعمل وكأنهم في دولة أخرى ، وقيام أفراد مسلحين ينتمون إلى الأمن العام والخاص بعدن ولحج بطرد وترحيل اليمنيين بصورة غير أخلاقية ولا إنسانية ، وهؤلاء الجنود المدججون بسلاحي الكراهية والتجهيزات العسكرية الإماراتية بمسمى قوات ( الحزام الأمني ) ومن ممارساتها غير الإنسانية ولا القانونية القيام بالمداهمات والاعتقالات والسجن دون حسيب أو رقيب في ممارسة قذرة هدفها اذلال المواطنيين فاقت في حدتها ممارسات العدو الصهيوني ضد أهلنا بفلسطين.
سابعاً :
الجميع يعرف صيف عدن وضواحيها الحارق ، ولكن المستعمرين الجدد لا يأبهون لمعاناة المواطن العدني ، فبدلاً من أن يوفروا الكهرباء والمياه ويهتموا بالصرف الصحي ونظافة المدينة ، أغرقوها بالكم الهائل من الفوضى غير الخلاقة ، وحرمان المواطن من ابسط الخدمات ، أيعقل أن دولة كمشيخة الإمارات أو السعودية أو قطر لا تستطيع تأمين الكهرباء لمدينة واحدة هي عدن ؟ ، نترك الإجابة لغيرنا ، ولو أضفنا أن الموظفين بدون استثناء في كل الجهاز الإداري ينتظرون المرتب الشهري أن يأتيهم من العاصمة صنعاء في الوقت الذي تمتنع فيه الحكومة (الشرعية ) من تحويل الإيرادات المالية القانونية إلى البنك المركزي بصنعاء ، ويتم تقاسمه بين الأحباب من الوزراء والمحافظين والوكلاء وهلم جرا ، لكن نصيب المواطن العدني هو المعاناة والضنك ليس إلا ، أفلا تعقلون ؟!!.
هذه هي مجرد عناوين فحسب لقصص وحكايات حزينة ، وأحداث مأساوية تَعَرَّض لها المواطن اليمني في المحافظات الجنوبية والشرقية ، وبطبيعة الحال ستتناقل كل هذه الحكايات الأجيال جيلاً بعد جيل بمرارة لا حدود لها ، وستوثق كُتب التاريخ وسجلاته في أبرز صفحاته تلك الشخوص والدُمى التي عاونت المحتلين لاحتلال عدن ، وستلعن الأرض والأجيال كل الأفراد والشخصيات والجماعات والأحزاب التي وفرت لدول العدوان التبرير الإعلامي واللوجستي لهذا الاحتلال الغاشم ، ولا أظن أن تغفر الجماهير اليمنية لهم خيانتهم وتواطئهم مع الأعداء المُحتلين مهما ارتفع صوت وضجيج إعلامهم وإعلام حلفائهم من المحتلين ، وستُفتح السجلات القضائية لكل هؤلاء ، أكانت في إصدار أحكامها القضائية أو الوضعية أو السماوية أو بعيون وقلوب كل المتضررين من هذا الاحتلال البغيض وزبانيته ، وستبقى عدن واليمن شامخة أبية ومقبرة للغزاة .
? وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ?
* محافظ محافظة عدن
a_binhabtoor55@yahoo.com
قد يعجبك ايضا