يوميات صائم
عبدالفتاح علي البنوس
يومان ويغادرنا شهر رمضان الفضيل ويحل علينا عيد الفطر المبارك , مغادرة سريعة لهذا الضيف الذي لطالما أستأنسنا بضيافته وسعدنا بمقدمه , وعشنا أحلى أيامه وأمتع لياليه,
ثلاثون يوما قضيناها في رحاب الشهر الفضيل ونفحاته الروحانية العطرة ونسماته الإيمانية الفريدة المزدانة بالعبق الديني المؤثر في القلوب والنفوس والأفئدة , ثلاثون يوما من الطاعات والعبادات والقربات امتلأت فيها المساجد بالمصلين وتخلصت فيها المصاحف من الغبار الذي كان عليها منذ نهاية رمضان الماضي وتصفدت فيها شياطين الجن وفتحت أبواب الجنان وأوصدت أبواب النيران وقدم الخالق عز وجل الجوائز الثمينة التي لاتمنح إلا في رمضان والتي يتنافس عليها الصائمون ويسعون للفوز بها , ثلاثون يوما فاز فيها الفائزون ممن صاموا رمضان إيمانا واحتسابا وتقربوا إلى الله بالأعمال الصالحة وأخلصوا النوايا وسخروا كل أوقاتهم في هذا الشهر للطاعات وذكر الله والأعمال الصالحة , وخسر فيها الخاسرون من فاتهم قطار رمضان ومر عليهم دون أن يتزودوا منه بما يثقل موازينهم ويرفع من درجاتهم وقضوا نهاره في النوم وليله في السهر واللهو واللعب والتفريط في الطاعات والعبادات , فهنيئا لمن فاز وربح الجوائز الربانية وتعساً وحسرة لمن خاب وخسر بإدراكه لرمضان ولم يغفر له .
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ماذا بعد رمضان ?! وما يجب علينا أن نكون عليه ?! وهنا لا بد من التأكيد على موضوع في غاية الأهمية وهو ضرورة المداومة على الطاعات والعبادات وعدم هجر المساجد والمصاحف بمجرد حلول عيد الفطر , فرب رمضان هو رب شوال والله موجود في شوال كما هو في رمضان وهو موجود في كل مكان وعلمه محيط بكل التفاصيل التي يسجلها ويحصيها الملائكة الكرام الكاتبين ولا يليق بنا كمسلمين أن نقابل نعمة العيد بالجحود والعصيان للخالق عز وجل وكأن ما كنا عليه في رمضان مجرد طقوس توارثناها من الآباء والأجداد ولا يوجد للإيمان والتقوى أي أثر في قلوبنا ونفوسنا أو أي تأثير في سلوكياتنا , فالأمر يتطلب عزيمة إيمانية وشحذ الهمم لمواصلة التقرب إلى الله بالطاعات والعبادات واستمرار خطوط التواصل الربانية مع الخالق جل جلاله بذات النفس الروحاني والإيماني الذي كنا عليه في رمضان إذا ما أردنا الغنيمة من كل بر والسلامة من كل شر والفوز بالجنة والنجاة من النار .
ما الذي يحول بينك وبين الصلاة وأنت تعرف بأنها الفرق الذي بين المسلم والكافر وأن تاركها عمدا ينزل إلى مرتبة الكفرة , الصلاة نور لك ينير لك دربك ويشرح لك صدرك ويبارك لك في رزقك ويطيل لك في عمرك ويجعلك محاطا بعناية الله وحفظه ورعايته ,لا يغلبكم إبليس بعد رمضان ويقودكم إلى قطع الصلاة أو التكاسل فيها أو التلاعب بها ,ولاتهجر كتاب الله وكن حريصا على أن يكون لك وردا يوميا تقرأه بحسب استطاعتك لكي لا تكون من أولئك الذين عاتبهم الله، لأنهم هجروا القرآن وتركوه في رفوف المساجد والمنازل ويظل على هذا الحال حتى يأتي رمضان وكأن القرآن لا يقرأ إلا في رمضان , وقس على ذلك بقية القربات والطاعات والأعمال الصالحة والخيرة .
عزيزي الصائم -عزيزتي الصائمة: لاتنسىوا الله وتعصوه وأنتم تحتفلون بالعيد وتذكروا جيدا بأن رب رمضان هو رب شوال وذي القعدة وذي الحجة ورب بقية الشهور, فالله الله في التمسك بتقوى الله والإقبال عليه بالأعمال الصالحة، فالعمر قصير والموت يتربص بنا في أي لحظة فلا نغتر بالحياة والصحة والعافية والمال والجاه والعالم الله من يطول به العمر وتكتب له الحياة إلى الغد (مش إلى رمضان القادم ).
وفي الختام نسأل الله لنا جميعا ونحن نودع شهر الصيام بأن يكتبنا فيه من الفائزين والمقبولين بين يديه وأن يشملنا برحمته وعفوه ومغفرته وأن يعتق في نهايته رقابنا ورقابكم ورقاب آباءنا وآباءكم من النار وأن يجعل هذا الشهر شاهدا لنا بالحسنات لا شاهدا علينا بالسيئات وأن يجعله مرتحلا بذنوبنا ومكفرا لسيئاتنا ,وأن يهل علينا العيد والبلاد والعباد في أمن واستقرار وانتصار على قوى العدوان السعودي الأمريكي السلولي الغاشم وأن يرحم الشهداء ويشفي الجرحى ويكتب للجميع السلامة والعافية .
صوماً مقبولاً وذنباً مغفوراً وافطاراً شهياً وعيد مبارك مقدماً .