يوم القدس وجراح صنعاء
د. أحمد صالح النهمي
ظلت القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان الإنسان اليمني على مدار العام، وأتذكر أنني في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كنت في المرحلة الابتدائية ، أستمع بجوار والدي بعد العشاء إلى الراديو ، من إذاعة صنعاء، إلى برنامج يومي مخصص للقضية الفلسطينية ، ويبدأ البرنامج بصوت ثوري هادر ” صوت فلسطين، صوت القضية الفلسطينية”، وتبدأ نشرة أخبار وتحليلات سياسية تتناول مستجدات الواقع الفلسطيني والتغيرات العالمية والمواقف الدولية من القضية .
وهكذا ظلت قضية فلسطين تنمو في وجدان كل يمني، ولا تكاد تخلو مناسبة وطنية دون أن نرى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حاضرا في منصة السبعين، ولا تكاد تشهد القدس انتفاضة أو اعتداءات إلا وتجاوبت أصداؤها في صنعاء وسائر المحافظات اليمنية ، فتغص العاصمة بالمظاهرات ، وتشهد الجامعات اليمنية والمدارس فعاليات مناصرة لقضية فلسطين .
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في مقامنا هذا هو: كيف تحولت القضية الفلسطينية من قضية العرب المركزية إلى قضية هامشية ، لا قيمة لها إلاّ في إطار الاستهلاك الإعلامي؟
لعل هذا السؤال يقودنا للإجابة عنه إلى تلك الفترة من الثمانينيات حين كانت بعض الأنظمة العربية تبعث المجاهدين إلى (كابول) بأفغانستان للجهاد ضد ما كان يسمى ب (الشيوعية)، بعد أن تمكنت قوى النفوذ الإمبريالية الصهيونية بمساعدة بعض الأنظمة العربية من تغيير اتجاه البوصلة الثورية العربية من الانتصار للقضية الفلسطينية كقضية تعد القضية المركزية للأمة العربية على وجه الخصوص والدول الإسلامية عموما إلى قضية هامشية ، وكانت المفاجأة أن هؤلاء المجاهدين اكتشفوا آخر الأمر بأنهم ذهبوا بأوامر أمريكية وبضوء أخضر صهيوني لتحقيق مصالحهما في القضاء على الخصم الروسي وصرف الأنظار عن القضية الفلسطينية.
اليوم تسعى ذات الأنظمة الصهيو أمريكية إلى إشعال نيران الصراع (العربي ـ العربي)، وتأجيج الخلافات تحت ذرائع مذهبية وطائفية من أجل استنزاف القوى العربية المناوئة للصهيونية العالمية والحركات الثورية ، في الوقت الذي تسعى هذه الأنظمة العربية نفسها إلى تمتين أواصر العلاقة مع الكيان الصهيوني والانتقال من مرحلة العلاقات السرية إلى مرحلة العلاقات العلنية ، المجاهرة بالتحالف مع الصهيونية إلى درجة أن نرى أميرا سعوديا يصرح في صحيفة الوطن السعودية بالقول : “سنقف نحن العرب المسلمين السنة مع إسرائيل إذا هاجمت إيران ، فإيران هي عدوتنا وليست إسرائيل ، وستدعم كل الدول العربية السنية أي هجوم تقوم به إسرائيل”، وهي ذات الأنظمة التي شكلت حلفا للعدوان على اليمن .
إسرائيل كيان عدواني غارق في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني ، والسعودية ومن معها كيانات عدوانية غارقة في جرائمها ضد الشعب اليمني ، وكلا الشعبين (الفلسطيني واليمني) يواجهان اليوم أخبث منظومة عدوانية تقف وراءها الولايات المتحدة الأمريكية وتسخر في سبيل التغطية على إجرامها المنظمات العالمية ابتداء من مجلس الأمن والأمم المتحدة مرورا بكثير من المنظمات المرتزقة وانتهاء بالجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي .
حقائق التاريخ تقول :ما دام هذان الشعبان (الفلسطيني واليمني) لم يخضعا للاستكبار والعدوان وما داما يقدمان كل يوم أنصع صور التضحية والفداء ، فإن العاقبة لهما نصر وتحرر ، وللمعتدين انهزام وعار وخذلان ، ذلك وعد الله ، ومن أصدق من الله وعدا.