عبدالفتاح علي البنوس
من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وما بش داعي للفضول وخصوصا في رمضان ,كل واحد يحج عن فرضه , بعض الصائمين مدبرين وعادهم جهال يدخلوا الجامع يعلقوا الدنيا عليق ويخرجوا للشارع وهات يا مشاكل ومواقف بعضها من باب الفضول دون أن تكون هنالك أي مبررات لذلك وكأنهم عجنوا على فضول وانتقادات (ترفع الضغط وتفور المش )وأحيانا ما يقود هذا الفضول إلى فتن وصراعات هكذا (بلاش أبلشي ) ( هذا ليش عمل وهذا ليش قال وذاك ليش سار وهذا ليش ما جاء )وكأنهم الأوصياء على الناس والمسيطرون عليهم ويشتوهم يمشوا على كيفهم ومزاجهم , صدقوني أشعر بأن هناك وباء اسمه الفضول يجتاح المنطقة لدرجة أنه لا يمر عليك يوم إلا وقد صادفك عشرات من الفضوليين الذين يجلبوا عليك ضيقا في الصدر وهما في النفس وتنتابك حالة من الضجر اللاإرادي .
صديقي الفضولي في رمضان يتفنن في فضوله كما تتفنن ربات البيوت في طهي صنوف الأطباق الرمضانية ,يحشر أنفه في كل موقف أو مشهد أو مجلس يحضر فيه , اليوم ينتقد صوت المؤذن لأنه بيرفعه قوي , ويبدأ بالبحث عن مؤذن جديد لخلافته رغم أنه لا علاقة له بالأمر والمؤذن لا غبار عليه وفي السوق ينتقد أحد المارة لأنه يرتدي ثوبا لونه أزرق وعلى الفور يهاجمه صدرية بأنه معقد نفسيا ومأزوم ويطلب منه التخلص منه لأنه لا يليق به كل ذلك وهو لا يعرف هذا الشخص وليس له أي علاقة به ولكنه الفضول , وفي مجلس القات يواصل هوايته بالتندر على نوعية قات المخزنين وقيمته الشرائية ويغوص في الخصوصيات التي غالبا ما تحدث حالة من التوتر تتحول معها جلسة المقيل إلى قاعة محاكمة علنية، وهات يا دعوات وإجابات وشهود وإثباتات وبراهين وأدلة وكله دبور صاحبنا الفضولي الذي يتحول إلى ما يشبه (الرازم ) لمرتادي مجلس المقيل , وفي الحارة يحشر نفسه في النقاشات الجانبية والقضايا الخاصة ليس حبا في إصلاح ذات البين ولكن من أجل إشباع الفضول الذي تحول بالنسبة له إلى غريزة يجب إشباعها مهما كانت التداعيات وعلى الرغم من إنكار الأهالي عليه هذا السلوك إلا أنه لم يرعوي ويظل على هذا الحال , هذا يحرجه وذاك يفلجه وهذا يمرض قلبه وذاك يتسبب له في علة بسبب فضوله الرمضاني الذي يكون أكثر أريحية في رمضان بخلاف ما هو عليه في بقية شهور السنة , حيث يأخذ راحته ويتفيضل وهوه مفتهن وسط إصرار منه على أن ما يمارسه ويقوم به هو من باب الحرص على حب الخير للآخرين ,رغم إدراكه بأن الخير-كل الخير في أن يترك الناس في حالهم ويشغل نفسه بنفسه لا بشغله الآخرين ومضايقتهم بالممارسات الفضولية التي تصل إلى حدود لا تطاق .
عزيزي الفضولي : أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك لا يعني ذلك أن تحشر أنفك في كل صغيرة وكبيرة وتقحم نفسك في أشياء لا صلة لك بها , كن متسلحا بالفطنة والحكمة ولا تضع نفسك في مواضع تنتقص من قدرك وتقلل من هيبتك ودورك في المجتمع، لا تفسد واجب النصيحة بإفراط الفضول النصح شيء والفضول شيء آخر و حدود النصح معلومة ومحددة وتجاوزها والقفز عليها ينعكس سلبا ولا تجد النصيحة أي قبول لدى الطرف المستهدف منها , ولا تنسى بأن من راقب الناس مات هما ,فدع الخلق للخالق ولا تنسى بأن البعض في رمضان لا يتحملون أولادهم فكيف إذا جاء من يتفيضل عليهم هكذا (خوره ) فلا تكن أنت من تشعل بفضولك فتيل الفتنة وخصوصا قبل العيد كون كل واحد حانب في روحه ففي الوقت الذي لم يهضم الواحد منا إرهاق مصاريف رمضان اليومية إذا به يجد نفسه أمام مصاريف وكسوة العيد وتزداد المعاناة مع كثرة الأولاد والطلبات العيدية ,وهو ما يجعل من الفضول مع هؤلاء ضربا من ضروب الجنون وخصوصا عندما يكون مشبعا ( بالجلافة والعتال ) وقلة البصر .
عزيزي الفضولي : قبل الختام تذكر بأنك ستحاسب عن أعمالك فقط لا على أعمال الآخرين ,وثق بأن الصديق الذي يثق بك لن يجد غيرك من يبوح له بأسراره ويشكو له همومه ومشاكله وعندما لا يخبرك بشيء فهذا يعني أنه لا يريد جنس بشر أن يتدخل في الأمر ولن يشعر بالارتياح من فضولك ومحاولتك اقتحام عالمه الخاص , حتى ولو ظننت نفسك من المقربين له وليكن شعارك المثل الشعبي القائل (شهر ما معك منه مصروف لا تحسب أيامه ) هذا علمي ولاجاكم شر.
صوماً مقبولاً وذنباً مغفوراً وإفطاراً شهياً .