الدولة والمعارضة ( المعتدلة والمتشددة) من وجهة النظر الأميركية

عبدالعزيز الحزي
على مدى عقود والولايات المتحدة تصنف دول الشرق الأوسط إلى دول معتدلة وأخرى متشددة، ثم برزت في الآونة الأخيرة إلى السطح أطروحة جديدة للولايات المتحدة تتحدث عن معارضة معتدلة ومتشددة كما عبرت (وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة) هيلاري كلينتون بشكل ضمني عما أصبح سياسة تقليدية جديدة لواشنطن، وهي دعم “المعتدلين”.
وساعدت الولايات المتحدة على مدى العقد الماضي بتنظيم فريق “المعتدلين”  في المنطقة بمنحهم عشرات المليارات من الدولارات على شكل تقديم مساعدات وتدريب وتزويد الجيش بالمعدات.
فمن هي الدول والمعارضة التي توصف عادة بالمعتدلة بالنسبة إلى الولايات المتحدة ، هي بالأخص “الصديقة” للغرب وحتى التي سبق لها ووقعت “اتفاقات سلام” مع الكيان الإسرائيلي.
وبهذا باتت الدول العربية أسيرة استراتيجية أميركية جديدة تفرض حتمية وجود الكيان الصهيوني في المنطقة وضمان تفوقه الاستراتيجي (التسليحي خصوصا والعسكري عموما) على الدول العربية مجتمعة وفق التعهدات الأميركية.
ولا تزال الدول المعتدلة في الشرق الأوسط أسيرة مفاهيم خاطئة أطلقتها الولايات المتحدة بهدف السيطرة وضمان المصالح الإستراتيجية للكيان الإسرائيلي فمثلا تزويدها بالسلاح ليس لاستعماله أينما كان وضد أي طرف كان لكنها بالدرجة الأكبر ليست صالحة بتاتاً للاستخدام ضد الكيان الإسرائيلي بل على العكس تماماً هذه الأسلحة توجه ضد بعض الدول العربية فيما بينها ولو رأت واشنطن راعية تلك الدول المعتدلة وحاميتها التي اشترت أسلحتها منها لأن تستخدمها في شيء خارج الإرادة الأميركية، فهي ستنقلب وبالاً على “صاحبها”، لأنها ـ أي تلك الأسلحة هي مزروعة بـ”اللواقط” و”الأزرار” الإلكترونية وغيرها التي تبث عن مكان وجود كل سلاح وتحركه ووجهة سيره، إلى “غرفة عمليات” إسرائيلية خاصة بالأسلحة “العربية”. وبالتالي فإن هذه الأسلحة كانت ولا تزال خطراً على “أصحابها” في حال استخدامها ضد الكيان الإسرائيلي تقضى على آخر فرص محاولة إيجاد حد أدنى من توازن الرعب مع الكيان الإسرائيلي.
لقد طأطـأت  الدول العربية “المعتدلة” رأسها كثيراً أمام أميركا والكيان الإسرائيلي، إلى حد أنها أصيبت بالتكلس في عظام الرقبة، وإذا رفعت رأسها من جديد ولو أقل القليل، فستغامر بكسر أو دق عنقها؟! فهاهم “المعتدلون” الجدد يشنون حرباً في العراق وسوريا وليبيا واليمن جماعات معارضة جهادية تصنف من وجهة النظر الأميركية والغربية على أنها معتدلة.
وعلى مدى عقود، كانت السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط تعتمد على دعم “المعتدلين” الذين أصبحوا بفضل أميركا منتشرين في أرجاء الوطن العربي ينفذون خطط الدول المعتدلة وسيدتهم واشنطن لأن يصبح  العالم العربي محل صراع مرير أشعلته سياسة الغرب في المنطقة التي ترغب في أن يسود فيه الكيان الإسرائيلي ولضمان عدم زواله.
ونظراً إلى هذا الوضع فقد بات لازماً على واشنطن أن تعتمد سياسية شبيهة مع الأحزاب والجماعات كما عملت مع الدول, وأن تقسم الدول العربية إلى معتدلة ومتشددة كما تعمد إلى تقسيم الكيانات المجتمعية من أحزاب وجماعات إلى معتدلة ومتشددة في هذه الظروف فيصير المعتدل متطرفاً في نظر واشنطن كما يصير المتطرف معتدلاً، في الصراع الوحشي على السلطة في يومنا هذا.
صارت الدول القمعية الملكية الوراثية الديكتاتورية في المنطقة هي مثال جديد للدول المعتدلة -من وجهة النظر الأميركية-وصارت الأنظمة الجمهورية والديمقراطية فيها متشددة وقمعية وجماعات المعارضة المتطرفة (معتدلة) والأحزاب والكيانات المتعدلة (متطرفة) فقد حاولت قلب المفاهيم واستطاعت الإبقاء عليها فبات كل ما هو متطرف (معتدل)و كل اعتدال هو(تطرف) من وجهة النظر الأميركية التي تعتمد سياسة غامضة غير مفهومة خاصة بعد أحداث ما يسمى “الربيع العربي” في عامي 2011 و2012م، والذي انتهى بسرعة وبقيت آثاره تدك الشعوب العربية.

قد يعجبك ايضا