جوهر الخطة الأمريكية السعودية في اليمن
محمد الغيل
بعد عام من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن واستخدام أبشع ما توصل إليه عقل الإنسان المادي من وسائل وخطط على المستوى العسكري والمدني.
تكونت لدى المراقب للأحداث في المنطقة والعالم رؤيتان عن هذا العدوان:-
الأولى: ما يتعلق بالمنطقة العربية وإعادة ترتيبها من خلال رؤية أمريكية روسية تتفق في الغالب وتتباين في النادر.
الثانية: ما يتعلق بالوضع اليمني الداخلي ووجود تيارات داخلية بعضها ذو نطاق واسع والآخر متوسط والثالث محدود.
توضيح للرؤية الأولى:
إن ما جرى في المنطقة من أحداث وثورات فيما يعرف بالربيع العربي حفز دواعي القوى الكبرى المهيمنة على العالم لتغيير واجهة المنطقة العربية وإعادة ترتيبها بشكل يخدم مصالح الدول الكبرى التي درست المنطقة العربية من الداخل دراسة معمقة مستعينة بالعديد من مراكز الأبحاث والدراســــــــــــات الاستراتيجية وبأجهزة مخابرات الدول العربية والإسلامية مثل مخابرات دول الخليج والمخـــــــــــــــابرات المصـــــــــــرية والمخابرات العراقية والإيــــــــــــــرانية والباكستانية والجزائرية واليمنية لا استثني أحداً منها.
وتم احتواء الثورات العربية ومصادرة أهدافها والالتفاف عليها تدريجياً بالعديد من الوسائل والطرق ففي مصر تم إفشال مشروع الثورة بالسماح لتيار الإخوان المسلمين عندما استلم مقاليد السلطة بعد إحكام السيطرة على جماعة الإخوان المسلمين عن طريق عقد اتفاقيات سرية بينهم وبين الإدارة الأمريكية، ولم تمض سنة حتى تم الالتفاف على نظام مرسي والإطاحة به لأسباب كثيرة، من أهمها تواصل الشعوب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وضعف خبرة الإخوان المسلمين ودور المخابرات السعودية والإسرائيلية ليعود النظام العسكري والدولة البوليسية إلى دولة مصر المتحررة من حكم مبارك الطاغوتي، وفي تونس تم إفشال الثورة بطرق تتلاءم مع حالة البلد المنقسم على ذاته وعلى قادته.
وفي اليمن وهي الدولة الوحيدة التي حاولت احتواء الثورة والإفادة منها نجح الثوار في إبعاد رأس هرم السلطة سلمياً وإرساء مبدأ الشراكة في الوطن إلا أن القوى المهيمنة في الداخل وبقيادة حزب الإصلاح وبعض فصائل الحراك الجنوبي وبعض قوى النظام السابق وبالتنسيق مع قوى الخارج بقيادة أمريكا وإسرائيل والسعودية وروسيا حاولوا مصادرة الثورة الأصيلة وإطفاء جذوتها ألا أن تلك المحاولات باءت بالفشل حتى اللحظة.
أمريكا وروسيا ومشروع الهيمنة الاستراتيجي
تنطلق الرؤية الخاصة بالمعسكر الأمريكي والروسي من خلال مخاوف حقيقة مما يسمى بالإرهاب العالمي (إسلام فوبيا) ومن تنافس محموم حول مناطق الثروات والنفوذ في المنطقة العربية.
النظرية والوسيلة
بما أن الإرهاب له منبع في الجزيرة العربية (المملكة السعودية) وبما أن المنطقة قادمة على فوضى أمنية داخلية لها أول وليس لها آخر ومتوقعة في أغلب دول العالم العربي قد يكون منها دول الخليج توصل الأمريكي والروسي إلى نظرية بسيطة مختصرة.
جوهر الفكرة (صيروا الربيع العربي فرصة ثمينة بخطوة واحدة وهي فن إدارة صراع المنطقة من بعيد وتمتعوا بمشاهدة مصارعة حرة بين فريقين متناحرين من على مدرجات الكولوسيوم واستثمروا منتجاتكم) أو كونوا (حكم لمباراة ساخنة بشرط أن يتدخل الحكم في الوقت المناسب)، والنتيجة ستكون مرضية جداً للقوى المهيمنة الكبرى والقارة العجوز أوروبا وغيرها من دول العالم باختصار(اتركوا الإرهاب ينحر بعضه بعضاً وصادروا أموال المسلمين الأثرياء منهم).
النتيجة:
* خوض حرب مع ما يسمى الإرهاب بأقل كلفة.
* التنصل من أي مسؤولية.
* التخلص من أي تبعات قانونية وحقوقية وإنسانية عالمية.
* الحد من انتشار الدين الإسلامي في قارات العالم وعلى رأسها أوروبا وأمريكا الجنوبية والشمالية وكندا وروسيا والصين.
* تصدير السلاح وبيعه للمتناحرين في المنطقة.
* الإفادة من المال الخليجي الذي فاق كنوز قارون.
* بناء قواعد جديدة في المنطقة.
* نهب الثروات البترولية أو شراؤها بثمن بخس.
* تقسيم دول المنطقة إلى دويلات.
* المحافظة على أمن إسرائيل.
بعض تلك النتائج سالف الذكر تخدم مشروع روسيا في المنطقة على الأمد القريب وبعضها بعيدة الأمد، بيد أن أغلب تلك النتائج تلتصق بالمشروع الأمريكي في المنطقة إن لم تكن نابعة منه.
ولكي أكون واضحاً فيما يتعلق بروسيا فإنه ليس من مصلحة روسيا تحرر اليمن وخروجها من الفلك الأمريكي على غرار النموذج الثوري الإيراني لاعتبارات كثيرة ومتنوعة، بعضها سياسية، والبعض الآخر اقتصادية.
فليس من مصلحة روسيا استخراج ثروات اليمن النفطية والغازية حتى لو كان التنقيب والتصدير عن طريق شركات روسية كون الاقتصاد الروسي يعتمد اعتماداً نوعياً على تصدير النفط والغاز، وظهور دولة جديدة منتجة للنفط والغاز من اليمن وبكميات واعدة يعني انخفاضاً ملحوظاً في أسعار الطاقة، وبالتالي يتأثر الاقتصاد الروسي سلباً، والنتيجة الحتمية ليس من مصلحة روسيا ظهور منتج جديد للغاز والنفط، ولا من مصلحتها وجود دولة متحررة ذات مشروع ندي مستقل قائم بذاته مثل إيران.
أمريكا ومشروع الهيمنة
إن سياسة أمريكا الإستراتيجية ومنذ أمد بعيد وخصوصاً بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وإحكام السيطرة على جزر اليابان وجمهورية ألمانيا الاتحادية قائم على بعدين:-
البعد الأول: التوسع الجغرافي وبناء قواعد عسكرية جديدة في أغلب دول العالم ونشر منظومة الصواريخ الباليستية للحد من أي تهديد قد يطال البنية التحتية لأمريكا من أي دولة.
البعد الثاني: الهيمنة على منظومة الاقتصاد العالمي عن طريق ربط الاقتصاد العالمي بعملة الدولار الأمريكي والتحكم بقرار منظّمة الدول المصدرة للبترول أوبك.
ومن خلال التوسع الجغرافي الذي يعني لهم أمن أمريكا واستقرارها والسيطرة على الاقتصاد العالمي تتمكن أمريكا من إحكام السيطرة على العالم وفرض مجموع رؤاها الفكرية الإمبريالية والتمتع بثروات العالم.
أمريكا والمنطقة واليمن
التواجد الأمريكي في المنطقة تزامن مع ظهور النفط في المنطقة ومع قيام الكيان الإسرائيلي الغاصب وتعاظم تواجده بعد انهيار المملكة المتحدة البريطانية , وبالتحديد عندما قام النظام السعودي الثري بفك ارتباطه عن بريطانيا وربط مصيره الوجودي بالنظام الإمبريالي الأمريكي كما فعلت بريطانيا نفسها.
ومنذ ذلك الحين والنظام الامبريالي الأمريكي لم يغمض عينه عن المنطقة وبالتحديد شبه الجزيرة العربية، ويسعى سعياً حثيثاً للسيطرة على المنطقة برمتها وللتواجد فيها عن طريق سفارته أو عن طريق افتعال الحروب والأزمات والحروب بواسطة إسرائيل أو عن طريق عملائه في المنطقة أو عن طريق تنصيب شخصيات عربية قدمت نفسها للأمريكان وتدين لهم بالولاء المطلق لتمسك هي بالوكالة عنهم بزمام الحكم في الدول العربية أو ما يعرف بدول العالم الثالث.
ولكي لا أتشعب في هذا العنوان أكثر فهو موضوع ذو شجون سوف أحاول إجمال أطماع وأهداف أمريكا في المنطقة وفي اليمن من قبل الربيع العربي ومن بعده في نقاط:-
* إحكام السيطرة على أهم وأعظم موقع جغرافي في المنطقة والمتمثل في مضيق (باب المندب) والذي يمكن من خلاله تعطيل التجارة العالمية وخنق مصر تماما وضرب اقتصادها وريعها من قناة السويس يليه(عدن) عروس البحر وأم الموانئ العالمية بحكم موقعها الجغرافي, يليه (أرخبيل سقطرى) أغرب جزيرة في العالم، وأعظم موقع استراتيجي سيخدم أمريكا من خلال السيطرة على بحر العرب كاملا والمحيط الهندي.
* إبعاد روسيا والصين من جنوب المنطقة تماما والاستحواذ على القرن الإفريقي فبعد قيام الوحدة اليمنية والقضاء على جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والتي كانت دولة اشتراكية قائمة على سلطة الحزب الواحد حرص الأمريكان على التواجد أكثر في اليمن .
* منع تكرار النموذج الثوري الإيراني في جنوب المنطقة لكونه سيهدد مصالح أمريكا في المنطقة بشكل فعلي ومباشر.
* اليمن يجب أن يتحـــــــول إلى نــموذج ثوري فاشــــــل لردع شـــعوب المنطقة مهما كانت التكلفة.
* تدمير قــدرات الجــــــيش اليمـني أو الحد منها.
* القــــضاء على تيار أنصار الله المارق بحسب أدبيات الأمريكان.
* إضعاف الحركات الإسلامية بالمطلق وجعلها تتناحر فيما بينها كما يحدث في سوريا وليبيا والعراق واليمن للقضاء على ما يسمونه بالإرهاب في مهده.
* تأمين الكيان الغاصب وإضعاف (محور الممانعة إيران ، العراق ، سوريا، ولبنان).
* الهيمنة على قرار دول الاعتدال وتعيين عادل الجبير في منصب وزير الخارجية خلفاً لسعود الفيصل جاء في إطار صفقة سرية بين الأمريكان وفريق الملك سلمان السديري وهذه خطوة غير مسبوقة وتهديد حقيقي لروسيا والصين وغيرهما من حكام المنطقة ورسالة أظهرت للجميع حجم الهيمنة الأمريكية على المنطقة وارتهان القرار السعودي للإدارة الأمريكية.
بعد هذا التمهيد يمكن لي استخلاص بعض النقاط حول العدوان الأمريكي على اليمن ويمكن أيضا كتابة بعض النتائج المتوقعة من هذا العدوان على اليمن..)والسؤال الآن: ماذا تريد أمريكا من اليمن؟ وماذا يريد حليفها السعودي من اليمن؟.
حالياً وقبل ذلك الأمريكي والسعودي السديري معاً لا يقبلان أن يكون تيار أنصار الله هو الفريق الوحيد المهيمن على قرار الجمهورية اليمنية، وأيضا لا يقبلان بوجوده كفريق لاعب ضمن مكونات الدولة بل المطلوب أن يكون تيار أنصار الله مهما بلغ حجمه تياراً ضعيفاً يلعب ضمن القوى الداخلية دوراً ثانوياً لا دوراً أساسياً عند اتخاذ أي قرار سياسي أو اقتصادي.
والذي يكشف هذا التوجه أهداف القصف الجوي، وانتقاء الأهداف، ونوعية الأهداف المقصوفة نفسها، وطول أمد الحرب وطريقة التخطيط لها إلا أن عامل الزمن وطول فترة العدوان وعوامل أخرى مثل: صمود الشعب اليمني أغلب الحاضنة الشمالية وتماسك أغلب جبهات النزال وتوغل الجيش اليمني والجان الشعبية أكثر من عشرة كيلو متر داخل محافظة نجران وعسير وثبوت الجيش واللجان الشعبية في مواقعهم مع إمكانية التوسع وظهور القاعدة وداعش في مناطق معينة في محافظات الجنوب والذي من المحتمل أن يتحول إلى حاضنة جديدة للقاعدة وقرب الانتخابات الأمريكية الرئاسية يفكر الأمريكان في الحفاظ على المكاسب التي حازوها والمتمثلة في السيطرة على أرخبيل سقطرى وبناء قاعدة عسكرية فيها وتعطيل ميناء عدن والإشراف المباشر على مضيق باب المندب بالتعاون مع الصين.
لذا خطط الأمريكي بالتنسيق مع الروسي والسعودي للمفاوضات الأخيرة بين السعودي و أنصار الله في أراضي يعتقد السعودي أنها أراضٍ سعودية ويعتقد اليمني أنها أراضٍ يمنية.
جوهر الخطة الأمريكية
بعد دخول قوات الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق وتدمير قدرات الجيش والدولة العراقية حرصت أمريكا على تقسم العراق إلى ثلاث دويلات متناحرة فيما بينها لإضعاف العراق وشل قدراته، وحتى اللحظة ما زالت مشاريع أمريكا في العراق متعثرة نوعاً ما إلا أنها استطاعت إدخال شركات النفط الأمريكية وبناء قاعدة في العراق وسفارتها تقع في موقع جغرافي واسع، ولا زالت حتى اللحظة تحاول تقسيم العراق إلى ثلاث دول:-
– الأولى: في الشمال لكردستان.
– الثانية: للسنة بمحاذاة سوريا.
– الثالثة: للشيعة ومكانها في جنوب العراق .
والوسيلة تتمثل بسلوك مسارين:-
المسار الأول: دفعت بالمال الخليجي وفعلت الدور التركي لدعم سنة العراق وحزب البعث العراقي وبقايا الجيش العراقي الذين شكلوا تنظيم داعش .
المسار الثاني: غضت الطرف عن إيران ومنحتها الضوء الأخضر لتلعب دوراً محدوداً في العراق تمثل في حماية العتبات المقدسة عند الشيعة، ودعم بعض فصائل الشيعة والأكراد لإثارة الملف الطائفي، ويبدو أن النموذج العراقي راق للأمريكي والسعودي لتطبيقه في اليمن مع فوارق ثانوية.
جوهر الخطة السعودية
تكشفت خطة النظام السعودي من خلال لقاء محمد بن سلمان السديري وزير الدفاع مع قناة العربية في لقاء خاص مع تركي الدخيل بتاريخ 25 /4 /2016م ويمكن من خلاله فهم ماذا يريد النظام السعودي من اليمن وسوف أحاول تلخيص ذلك في نقاط:-
الأولى: أن أمريكا تفكر في التخلي عن سلاح النفط الذي بيد السعودية والتحكم بقرار منظّمة الدول المصدرة للبترول أوبك وتبحث عن سلاح اقتصادي بديل اسماه محمد بن سلمان (الصندوق السيادي).
الثانية: أن محمد بن سلمان يحمل رؤية اقتصادية وعسكرية شمولية الغرض منها إحكام السيطرة على اغلب دول المنطقة واحتلال بعضها مثل اليمن.
الثالثة: أن هذه الرؤية الشمولية لن تتحقق إلا بالتنسيق مع بعض دول المنطقة مثل الكيان الغاصب ومصر والأردن و الإمارات أو إخضاعها مثل عمان والبحرين وقطر والكويت وسوريا والعراق و اليمن.
الرابعة: أن صلاحيات محمد بن سلمان حاليا تفوق صلاحيات ولي العهد محمد بن نايف وصلاحيات الملك نفسه وهذا يعني ان محمد بن سلمان هو الحاكم الفعلي للمملكة وانه منفذ مشاريع أمريكا في المنطقة.
الخامسة: أن محمد بن سلمان شرع في هيكلة المملكة بذريعة التنمية والإصلاح الاقتصادي والحد من النفقات والفساد وسعى لتجميد الهيئة ويحاول أن يحذو حذو مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة المعروفة بـ(المرأة الحديدية).
السادسة: حاول ابن سلمان إرسال الكلام المعسول أثناء المقابلة لفقراء المملكة والطبقة الوسطى متضمنة وعوداً زعم أنها ستبتلع مشاكل الفقر والبطالة.
السابعة: أظهر أنه منشغل بمشاكل المملكة والمنطقة وأن عصراً جديداً سيظهر على يده من خلال الرؤية الوطنية ذات الأبعاد الثلاثة.
الثامنة: هدد الأمراء وقادة الجيش والوزراء وأثرياء المملكة بعصر التقشف الذي سيطال رأس الهرم ومن جاوره ومن قبع تحته.
التاسعة: مضمون وجوهر اللقاء محبوك وبلغة غير مفهومة للمواطن العادي, لكنه حدد معالم سياسة أمريكا الإستراتيجية في المنطقة من خلال حليفها السعودي.