سعيد تحت القصف
عباس السيد
في ليلة من ليالي العاصفة الهمجية ، لم يذق ” سعيد ” طعم النوم . بعد الفجر ، شعر بالحاجة إلى هواء صنعاني طري بارد . ترك سريره وصعد سلم الأدوار الأربعة حتى سقف العمارة . استقام في باب السقف يتأمل نقم وعيبان بعد ليلة ساخنة من القصف . كانا شامخان كأن شيئ لم يكن .
عاد ببصره نحو السقف ، شاف ” راجع ” قد نبش حفرة وغطس فيها ، ماعاد يظهر منه إلا قفاه ..
يقترب سعيد ، ثم يتراجع . يمد يَدُه ويردها ..
راح جاب عصا ، وزاد طَوَّلها بسيخ ، لتأمين المسافة .
ومن بعيد، بدأ ينخُش الراجع . دلا دلا ، وقلبه يدق ، ونفسه يتقطع ..
مافيش فائدة ..
جلس يفكر في الحل .. ونكع من رأسه السؤال : كيف ما قرح ” الراجع ” لما نزل مُهري من السماء على رأسه ، وفعل هذه الحفرة بالخرسانة .؟؟؟
وجد الجواب في السؤال ، فضحك من حذاقته ، وقام ينبش الراجع بيده وهو آآآمن مطمئن .
أخرج الراجع من حفرته ، كانت ” ذخيرة رشاش متوسط عياري مدري كم ” ساقع نمس ، ورأسها قده ملكود لكد .
عاد ” سعيد ” بالراجع إلى شقته كمن يحمل صيدا نادرا . ركزه في مكان بارز برف المكتبة ، ودخل ينام في غرفته .
رقد سعيد مطمئنا ، لكن ” فوبيا الراجع ” التي خلعها سعيد ، تلبست زوجته وبناته اللاتي تعاملن مع الغرفة كمنطقة عسكرية مغلقة ، أو حقل ألغام يحظر دخوله . ولم يهدأن إلا حين عاد ” علي سعيد ” وأخذ يقلب الراجع أمامهن بأمان .
***
بعد أشهر من قصة الراجع ، كان سعيد على موعد مع قصة مشابهة ، لكنها هذه المرة داخل الشقة . كان سعيد خارجا من غرفة الجلوس ، الوقت بعد الفجر أيضا ، وإضاءة الطاقة الشمسية في النزع الأخير .
لمح سعيد جسم معدني أسود غريب على السجاد . أخذه بيده ، .وبسرعة دربه ، وقفز مترين مثل المقروص من حنش . كانت علبة صلب أسطوانية مخرمة ، بحجم ووزن الراجع حق السقف ، وداخلها شي صلب يتحرك ، أو يتقلقل ، إذاً مالت أو تحركت . تخيل له أنه صاعق .
كان يشتي يصحي ” على سعيد ” من النوم ليقل له ما هو هذا الأسود الزوبة ؟. لكنه يتردد .
” علي سعيد ” شاطر ومحنك ، بس نومه ثقيل وخصوصا لما يكون سهران من قبل.
ويحاكي سعيد نفسه : إذا كان جلست اصحيه ربع ساعة من شان يقوم يتسحر ، كم يحتاج الآن ؟. ولو قام ، شجلس يفحس عيونه دقائق ، وبعدين ، احتمال يقعي ويضحك علي . ومش بعيد يحسبنا جبان خواف مرجف .
لازم أحلها بنفسي .. وقف سعيد يتفرج الجسم الغريب من بعيد .. ثم تذكر أنه في البيت ، وليس في جبهات المواجهة ، أوفي الخارج حيث القنابل العنقودية التي تلقيها العاصفة الهوجاء في الشوارع والمزارع وكل مكان .
ضحك على حذاقته ، وأقترب من ذلك الشيء ، وراح يتفحصه في يده بشيء من الاطمئنان . شاف أن لها غطاء مشابه لـ ” حُقة البردقان ” .
بسم الله .. وبدأ يلف الغطاء ، دلا دلا .. لكن الغطاء كان حازق ، والاحتكاك حق الصدأ يعمل أصوات تخلي سعيد يقشبب .
كان لازم الاستعانة باثنين أو ثلاثة زوامل .. شغل سعيد ذاكرته :
ـ سرينا ليل والكاشف أتاريك ..
ـ سمرت انا القاذف على عظم الكتف ..
ـ توكلنا على الله بالبلاجيك …
ثم لف الغطاء ونزعه . أفرغ محتويات الكبسولة أو القصعة بحذر ، ليكتشف أنها علبة لحفظ أدوات تنظيف أو خدمة الكلاشينكوف .. وسامحك الله يا علي سعيد .