عدن ..تصطلي بصيف حارق بكرمٍ من ( دولة أولاد زايد )
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
حينما شاهد العديد من أبناء عدن الأكارم الإنزال البحري (الجارف) لمدينتهم من قبل جحافل دولة أولاد الشيخ زايد آل نهيان ويصاحبهم غطاء جوي عدواني للحلف العربي بقيادة السعودية ومصاحبة لهم أرتال مدججة من عساكر الجنجويد السودانيين ومرتزقة من مُعظم دول العالم منضوين تحت عباءة الشركة الأمنية الأمريكية (البلاك ووتر) ، وعصابات الإرهاب من تنظيمي داعش والقاعدة المحمولين بحراً من تركيا إلى شواطئ عدن ، كل هؤلاء هبطوا كأسراب الجراد في شواطئ عدن .
وبعد أن شاهد كل هذا الإنزال ، كان أمل المواطن العدني بأنها بداية جديدة للسلام والاستقرار ، بل ستغدو محطة انطلاق في الاتجاه الصحيح صوب البناء والتنمية ونهاية لكل متاعبه المتكررة.
لقَد كان إنزال القوات الغازية في النصف الثاني من يوليو 2015م ، وكأن البسطاء في لحظتها من أهل عدن الحالمين والتواقين للعيش الكريم ، بأن أقصى أحلامهم وأمانيهم أن يعيشوا في سلام دائم ، استقرار الأمن ، حماية ممتلكاته وحياته ، تأمين الخدمات الحياتية اليومية الروتينية من الكهرباء ، المياه وتنظيف أحيائه (و حوافيه) من قمامات المتحاربين ، وتأمين مدارس أبنائهم وبناتهم بالإضافة لتأمين مقعد في جامعتهم ، وتأمين المشتقات النفطية بأنواعها …. إلخ ، هذه كانت أقصى أمانيهم وأحلامهم .
أما المتفاؤلون الحالمون بلا حدود من بين أبناء المدينة، فكانوا قد حلّقوا في فضاء أحلام اليقظة – كما يقولون- كيف لا والقادم المحتل الجديد هم من دولة أولاد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاملين معهم ذكر طيب السمعة الرفيعة لوالدهم المرحوم الشيخ زايد رحمة الله عليه ، هؤلاء النفر تفاءلوا كثيراً بأن تُنقل نُسخ مشابهة من الإمارات المتحدة إلى مدينتهم عدن ، لقد حَلموا ببناء نسخة من برج العرب في حي (خورمكسر) ،ونسخ مولات دُبي بحي (المعـلا) و (الشيخ عثمان) و (المنصورة) ، وتظهر أبراج أبوظبي الشاهقة في (التواهي) و (كريتر) ، و تُشاد الفنادق الفارهة الباذخة لدولة المشيخات العروبية الصحراوية في كل شارع من شـوارع عدن ، وهذا أمر ممكن الحدوث في تصورهم وأحلامهم لتأثير بهرجة الإعلام الكاذب الذي سُلٍّط من قنوات دول العدوان وطُبٍّل له طويلاً طابور من المرتزقة والمنتفعين في الوطن .
ولكن، ماذا حدث لكل هذه الأحلام والآمال ما بعد العدوان والاحتلال !!!
ولماذا يكافأ أبناء مدينة عدن بهذا العبث المخيف ؟ .
لمحاولة الإجابة على تلك التساؤلات القلقة والمحرجة ، علينا أن نعود للمعطيات التي أضحت متاحة للجميع ولكل ذي لُبٍ وعقل ، أما التهريج وترديد التبريرات الساذجة والبليدة فقد سئم منها المواطن في عدن :
أولاً :
لم يعد من مشاهد عاقل واحد ، و أكررها عاقل واحد في مدينة عدن وضواحيها لم يشاهد ويعايش بألم وحسرة ذلك القتل المجاني المروع الذي أجتاح عدن وضواحيها كالطاعون بسبب التكتيك القاتل للاحتضان والتزاوج غير الشرعي لعصابات الإرهاب مع ” المقاومة والسلطة الشرعية ” القادمة مع جحافل قوات الاحتلال، وكانت التفجيرات بالمفخخات الانتحارية كمثال مُرعب والذي راح ضحيتها المئات من أبناء عدن البسطاء وكوادرها العسكرية والأمنية المؤهلة .
ثانياً :
كانت عدن تاريخياً مسرحاً مفتوحاً للتصفيات الجسدية بين المتصارعين من أجنحة الجبهة القومية والتحرير ووريثها (الشرعي) الحزب الاشتراكي اليمني طيلة زمن الحكم الشمولي ولم تستقر الأوضاع الأمنية والحياتية في الشـطر الجنوبي من اليمن إلا بقوة الحديد والنار التي مارستها ما سُمي بزوار الفجر آنذاك والتي أذلّت الجميع من سكان اليمن الديمقراطية آنذاك، والجميع خضع لجبروت الأجهزة البوليسية المُرعبة ، ولكن بعد إعلان الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م توقف ذلك العبث وتردد على مسامعنا أن الوحدة جبت ما قبلها ودخلنا في مرحلة التسامح والتصالح الحقيقي إلى أن حضر الشيطان من جديد في العام 2011م فيما سُمٍّي بأكذوبة (الربيع العربي) وتداعياتها الدراماتيكية ، و أخطرها ما يحدث اليوم في زمن العدوان ، إذاً بدأ الشيطان يعود من جديد يُنفَّذ أجندته في إعادة إحياء فتن التصفيات الجسدية من جديد في عدن وضواحيها ، وكانت مأساة الاغتيالات بالجملة في كل أحياء عدن تقريباً شاهداً على دموية وإجرام مُنفذيها.
ثالثاً :
حضر الغُزاة الجدد وأحضروا معهم الحركات المتشددة والمتطرفة العديدة ومنهم المجموعات المتدثرة بعباءات دينية زائفة وكانت تجليات أفعالهم القبيحة هو في اختطاف وقتل وتهجير العديد من اليمنيين من عدن ومنهم الطائفة الإسماعيلية ، واغتيال الشهيد الشاب / محمد عمر باطويل ، وتكرار الضغط على جامعة عدن بفصل الدراسة بين الطالبات والطلاب ، واغتيال الشيوخ ورموز الطائفة السنية المعتدلة ومن رموز المدرسة الصوفية الكريمة في جوامع ومساجد عدن .
إن هذه العصابات عاثت وتعيث بعبث مُخطَّط وبإشراف مباشر من قوى الاحتلال .
رابعاً :
مع قدوم الغُزاة، انتشرت ظاهرة السطو والنهب والسرقات على الممتلكات الخاصة والعامة في عدن ، وهناك كشف طويل بهذه الجرائم حتى لحظة كتابة هذا المقال ، وبطبيعة الحال فإن كل هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم طال زمن الاحتلال أم قَصْر .
خامساً :
مع بدء الاجتياح لعدن تم تعميم فوضى الإدارة، أي إدارة وإصدار القرارات الإدارية والأمنية والعسكرية في مدينة عدن وضواحيها، لأن الأشخاص الذين كلفوا (بتسـيير أمور عـدن) ، لم يصلوا بعد إلى مستوى تاريخ وثقافة إدارة المُدن .
سادساً :
انهيار شبه كلي للخدمات العامة في عدن، كالكهرباء والمياه والصرف الصحي وخدمات الصحة والتعليم وأمن حياة المواطن وبقية الخدمات الحكومية العادية .
إن انهيارها بهذا الشكل الدراماتيكي المخيف والتسبب في إيذاء وتعذيب المواطن اليمني في عدن والمناطق المجاورة لها يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها !!! . وفي الآونة الأخيرة تم الإعلان في عدد من وسائل الإعلام بأن هناك (قرضا ماليا كبيراً) تم إبرامه بين دولة الاحتلال وهي الإمارات المتحدة والحكومة (الشرعية بالرياض) ، وخبر كهذا شكّل صدمة هائلة لدى المواطن العدني الذي أنتظر تنفيذ (خطة دعم سلمان) على غرار خطة (مارشال) Marshal Plan” “في أوروبا بعد الحرب العالمة الثانية ، علماً بأن المواطن العـدني وُعِد مراراً وقبل حلول فصل الصيف القائظ بأن يأتوا بسفينة عائمة لتزويده بالطاقة الكهربائية ريثما تُبنى المحطات الكهربائية الاستراتيجية بعدن من قبل الخليجيين !!! ، ويفاجئ بأن تكرار انقطاع الكهرباء يصل في هذا الجحيم من الحر القاتل الى ست ساعات وتغلق المستشفيات ، ويُرحّل المرضى إلى منازلهم لعجز المستشفيات عن إيوائهم لأسباب شتى .
أليست كل هذه الفضائح تكشف زيف الوجوه العارية من أبسط الأخلاق والقيم ، وأن ضجيجهم اتجاه تأمين حياة كريمة للمواطن العـدني مجرد أكذوبة سمجة تافهة يرددها أطفال عدن عن ذلك (التحرير) المزعوم !!! .
لكن حينما نتمعن في خبرية عابرة – كما يقول أهلنا في لبنان- بأن (إمبراطورية مدينة دبي بأبراجها الشاهقة ومولاتها العصرية وببهرجتها الإعلامية ، لا تتوفر فيها حتى الآن الشبكة الكلية للصرف الصحي كما هو حال بعض مدن دول الخليج كلها) ، علماً بأن مدينة عدن قد حُظيت بهذه الخدمة مُنذ العشرييات من القرن الماضي ، أليس في هذه “الخبرية” ما يسترعي انتباه أهلنا في عَدَن بأن فاقد الشيء لا يعطيه ، حتى وإن طبّل لهم المطبِّلون في تزيين صورة المحتل القبيحة !!! .
سابعاً :
عدن مدينة عصرية منظمة في كل شيء تقريباً وقدرات أبناءها الإدارية على إدارتها أمر متاح وبديهي لتراكم الخبرة لديهم ، وهذه المدينة كانت ذات يوم مصدر معيشة وحياة لعدد من مدن الخليج العربي كله ، وسبقتها في كل الخدمات ، وعدد سكانها يقارب النصف مليون نسـمة ويزيدون قليلاً ، إذاً ..ماهي الحكمة في تركها وحيدة تنازع كل هذه القوى الشريرة بمفردها ؟! ، ولماذا يحرم أهلها من الخدمات الطبيعية والتي كانت موجودة إلى لحظة غزوها بالعام الماضي ؟! .
دعونا نفتش معاً عن سلوك مندوبي ما يسمى (ألوية الحزام الأمني) والسلطة المحلية المتواطئة مع (دولة أولاد زايد) في عدن. لقد ارتكبوا الخطايا التي لا تُغتفر في استباحة منازل الآلاف من الأسـر العدنية ليلاً ونهاراً واختطاف أبناءها ورميهم في غياهب السجون والمعتقلات الخاصة السـرية ، وتعذيبهم ومن ثمّ رمي جثامينهم الطاهرة في ثلاجات الموتى بالمشافي بعدن أو على قـارعة الطرق .
إن من يقوم بعمل بربري كهذا ليس في وارد أن يقدم الخدمات المجانية لعدن وأهلها الكرام في قادم الأيام ، بل إن سلوكهم المتوحش هذا يشابه إلى حدٍ كبير سلوك وعنجهية العدو الصهيوني تجاه أهلنا في فلسطين المحتلة وممارساته لا تقل وحشية عن ما تقترفه العصابات الإسرائيلية في القرى والمدن والبلدات الفلسطينية ، ولهذا طالما وقد أماطوا اللثام عن سلوكهم الحقيقي كممثلي دولة أولاد زايد تجاه أهلنا الأحرار بعدن ، إذاً فهم غير معنيين وغير آبهين بما يقال عنهم وعن تصرفاتهم المنافية للقيم والأخلاق وليسوا في وارد أن يقدموا أي خير لعدن ولا لأهلها الكرام .
أيعقل أن دول الخليج برمتها والمتخمة بالمال لا تستطيع أن توفر خدمة الماء والكهرباء والنظافة لعدن ؟؟؟ . ما السر في ذلك ؟ ، أهو الإستعلاء والتكبر وحده، ولسان حال الغُزاة من الخليجيين يقول: من هؤلاء اليمنيين العدانية ؟ الذين لا يستحقون بنظرهم لهذه الخدمات التي كانت متاحة لهم قبل أن يعرف الإماراتيون الكهرباء بعقود من الزمان أو للإيغـال في إذلالهــم ، والله أعلم .
? وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ?
* محافظ عدن