جوهر الصيام والزكاة

وليد محمد سيف
ثمة تقاطع بين الأديان السماوية وأشباه الأديان والوثنية في الصيام فهو سنة كونية، مارسه قديما الرومان والفراعنة، وأهل بابل، والمجوس، ولا يزال يمارس عند الهندوس والبوذيين، وعديد أمم أخرى، غير انه اكتسب طابعه السامي في الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ليجسد الأخير الغايات الجوهرية له دونما سواه.
وتمثيلا لا حصرا، تختلف غاية الصوم عند اليهود تبعا للظروف والسياقات التاريخية، إلا أنه يمكن اختزالها في طلب المغفرة والتكفير عن الذنوب، وهي غاية ظلت حاضرة في الديانة المسيحية، مع تعزيزها بأخرى تتماهى وطبيعة المسيحية المغلفة بطابع روحي فريد، ليصبح سمو الروح، وتحريرها من شهوات الجسد جوهرا أساسيا للصيام في المسيحية.
الإسلام آخر ترنيمة إلهية مهداة للبشر، ولأنه كذلك، أضحى الصيام  فرضا واجبا، لا يتحقق إسلام المرء بدونه، عوضا عن كونه عادة أو سنة، فيما كان لمحدداته الواضحة التي ترسم بجلاء توقيته وكيفيته  ومحظوراته وغاياته الفضل في نقل هذه الشعيرة السامية من منطقة الظلال الداكنة الناشئة عن مزيج مشوش لغاياته عند سائر الأديان إلى مركز الصدارة فيه بأن جعله ركنا أساسيا فيه، وليخرجه من منطقة الظلال العميقة إلى منطقة مفعمة بأنوار ساطعة منشأها وضوح الغاية والمقصد.
فالإسلام حافظ على غاية الصوم، عندما سبقه من ديانات سماوية فهو واسطة لتزكية النفس وزيادة تقواها، قال تعالى ( يا أيها اللذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون)  .. بيد أن سمة الإسلام المائزة كانت في المزاوجة الإلهية الخلاقة بين تزكية النفس وتزكية المال، بفرض الزكاة، في رمضان.. فإن كانت تزكية النفس تستهدف الفرد ذاته، فإن الزكاة والصدقات تستهدف المجتمع بأسره، بما تثمره من تكافل وتراحم اجتماعي.. ولفرض الزكاة في شهر الصيام دلالته العميقة، إذ يصبح الأغنياء، أكثر تلمسا لآلام الفقراء، عندما يتأسى الغني بالفقير ويعيشان معا تجربة الصوم، ما يضاعف الباعث لدى الموسرين لبذل جزء من أموالهم تخفيفا لأوجاع المعدمين .. وهي مزاوجة ربانية تتلاءم والمنظومة الدينية الإسلامية الجامعة التي تستهدف الفرد و المجتمع كلاهما، الدين والدنيا معا.
فالزكاة كما الصيام ركن رئيس من أركان الإسلام، لا يتم إسلام المرء إلا بأدائها، وجاءت الزكاة في ترتيبها بعد الصلاة في أركان الإسلام الخمسة، وذكرت في القرآن الكريم 30 مرة.. وحُددت فروضها ونصابها ومقدارها وكيفية جبايتها وصرفها بما يزيل أي التباس…لما لها من تطهير للنفس من الذنوب وتزرع فيها الجود والكرم وترك الشح والبخل.. فضلا عن دورها العظيم في تقّييم السلوك الديني والروحاني للفرد بما يؤكد ارتباطه بما شرعه الخالق سبحانه وتعالى في نصوصه القرآنية وتعاليمه.

Walidsaif76@gmail.com

قد يعجبك ايضا