يوميات صائم
عبدالفتاح علي البنوس
ونحن في ثلث المغفرة من هذا الشهر الفضيل حري بنا جميعا التوبة إلى الله قولا وعملا واغتنام ما تبقى من أيام وليالي هذا الشهر الفضيل من أجل الفوز بالمغفرة التي تقود إلى الجنة وهي الغاية التي ينشدها ويسعى من أجلها الجميع , كلنا مذنبون ولكن التوبة النصوحة تمحو كل هذه الذنوب فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له ولا مجال للتهاون في هذا الجانب أو الاغترار بالصحة والعافية وطول العمر والتعلق بالأمل فكم من مؤمل قطع الأجل أمله قبل ما يتوب إلى ربه ويصلح ما بينه وبين الله وما بينه وبين الناس وصار تحت الثرى مدفوناً ولم يعد بإمكانه التوبة وترميم علاقته مع ربه وخلقه وهؤلاء يجب أن نجعلهم لنا عظة وعبرة ما دمنا على قيد الحياة وما دام لدنيا الكثير من الفرص المتاحة للتوبة فلا أحد يدري متى يتوفاه الأجل المحتوم .
وفي ظل النفحات الرمضانية التي نعيش في أفيائها نجد اليوم في أوساطنا الكثير من المدعممين الذين يتعاملون مع رمضان بسلبية وتقصير ملحوظ في جانب الطاعات والعبادات والتعاملات وكأن رمضان بالنسبة لهم الصيام عن الأكل والشرب فقط في ظل غياب الجوانب الروحانية التي هي تحفة هذا الشهر والميزة التي يتفرد بها على باقي الشهور ,فهذا جعل من نهار رمضان موسما للنوم وفي الليل لمشاهدة المسلسلات والمسابقات ولعب الدمنة وغيرها من الألعاب التي تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل وذاك يرى في رمضان موسما لجمع المال وتحقيق أعلى معدلات الربح على حساب عبادته وقراءته للقرآن واهتمامه بأسرته وأقاربه فالشغل والمال هما شغله الشاغل وعندما تقدم له النصيحة يرد عليك بأن عمل الصائم عبادة , من أجل تبرير موقفه رغم أنه الأحوج للعمل بهذه النصيحة وخصوصا أنه بإمكانه أن يجمع بين العمل والعبادات والطاعات على أكمل وجه دونما تقصير أو تهاون .
نحن في أمس الحاجة لعفو الله ومغفرته ونحن مطالبون بالتوبة من الذنوب والأوزار بكثرة الاستغفار والإقبال على الله بتوبة صادقة مخلصة غير مزمنة ونعقد العزم على عدم العودة لارتكاب هذه المعاصي ونتخلص من كل ما له علاقة أو صلة بها ومن ثم الشروع في بناء جسور تواصل ربانية مع الخالق عز وجل نرتجي رحمته وعفوه وإحسانه فمهما ظن البعض بأنهم على الصواب وبأن أعمالهم كلها حسنة وبأنها كافية لإدخاله الجنة ونجاته من النار إلا أنهم رغم كل ذلك في عداد المقصرين وليس لهم إلا رحمة الله ومغفرته وتفضله عليهم أما أعمالهم فما عساها تساوي أمام المهم الظاهرة والباطنة التي منحها وأعطاها لهم وفي مقدمتها نعمة الصحة والعافية.
وفيما تبقى من ثلث المغفرة كل واحد منا مطالب بمراجعة ذاتية وتقييم ذاتي لما قام به خلال الفترة الماضية والوقوف على كل ذنب أو خطيئة أرتكبها صغيرة كانت أم كبيرة ويبدأ بالمحاسبة الذاتية لنفسه ويناجي الغفور الرحيم في هذه الليالي بأن يجعله من المشمولين برحمته ومغفرته وأن يجعل هذا الشهر شاهدا عليه بالحسنات لا شاهدا عليه بالسيئات وأن يجعله مرتحلا بذنوبه ومكفرا لسيئاته وأن يكون من الفائزين بالجوائز الرمضانية الإلهية الكبرى التي يمنحها الله خصيصا وحصريا لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا وتاب فيه إلى ربه وأناب وخاف من وعيده يوم الحساب.
صوما مقبولا وذنبا مغفورا وإفطارا شهيا .