لقاء / أمين العبيدي
أقبل شهر الرحمات والعتق من النيران ، لقد أقبل شهر الصيام و القرآن والقيام فكيف لنا أن نعيش شهراً أعطيت الأمة فيه من الخصال ما لم تعط في شهر غيره.. حول فضل شهر رمضان وكيف يستعد المسلم لهذا الشهر الكريم كان لنا الحوار مع الشيخ الدكتور/ بندر بن أحمد علي الخضر، أحد علماء أبين وأستاذ في الفقه الإسلامي .
العلامة الخضر: رمضان ليس شهر النوم بل العبادة والعمل والإنتاج
نستعد لهذا الشهر بالتحلل من مظالم العباد والخروج من الشحناء والبغضاء من خلال الصيام يتعلم المسلم الصبر ومجاهدة النفس وقوة استشعار رقابة الله
* بماذا فضل الله شهر رمضان؟
– شهر رمضان هو أفضل الشهور وقد خصه الله بمزايا عظيمة فهو شهر الصيام الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام وقد ورد في بيان فضل الصيام أحاديث كثيرة منها ما في المتفق عليه واللفظ لمسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَة عَشْر أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّه ولخالوف فم الصائم أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ».
وفي المتفق عليه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ” غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ». كما أن شهر رمضان هو شهر القرآن ففيه أنزل كما قال تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ” [البقرة:185]. ولذلك على المسلم الاجتهاد في مدارسة القرآن وتلاوته. وهو شهر مغفرة الذنوب ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». وفي المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه… “وهو شهر فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار كما أنه شهر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر فقد أخرج أحمد والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا قَدْ حُرِمَ». وفي المتفق عليه عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ». وغير ذلك من الخصائص والفضائل الأخرى
* كيف نستعد لشهر رمضان المبارك؟
– إن الاستعداد لشهر رمضان يكون بالاستبشار بقدومه والفرح بمجيئه فهو نعمة من الله علينا وموسم عظيم لكسب الحسنات والترقي في منازل التقوى والراغب في الخير يفرح بهذا الفضل العظيم قال تعالى: “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ” [سورة يونس: آية 58 ]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر الكريم؛ لتتهيأ النفوس لاستغلاله والقيام بحقه. كما نستعد لهذا الشهر بعقد العزم الصادق على اغتنامه واستغلال أيامه ولياليه بكل ما يقرب إلى الله تعالى قال سبحانه: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21]. وكم يستعد أصحاب القنوات بتقديم أنواع المسلسلات في رمضان والتي كثير منها تهيج الغرائز وتثير الشهوات وتذهب حلاوة الصيام ولذة الدعاء والقيام، مع ما فيها من تضييع لأوقات الصائمين. كما نستعد لهذا الشهر بالتحلل من مظالم العباد والخروج من الشحناء والبغضاء، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” مَنْ كَانَتْ لهُ مَظْلمَةٌ لأَحد، مِنْ عِرضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ قبْلَ أنْ لاَ يَكُونَ دِينَار وَلاَ دِرْهَمٌ؛ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلمَتِهِ، وَإنْ لَمْ تكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيهِ». كما نستعد لهذا الشهر بالتوبة إلى الله تعالى والإقلاع عن الذنوب حتى يرى الله صدق توجهنا فيوفقنا لمزيد من الخير ويغير ما بنا قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” (الرعد 11)
شهر اليتامى والمساكين
* كيف كان حال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين؟
– إن مما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أعظم الناس عبودية لله تعالى وكان من أعظم ما يكون في رمضان فقد كان يخصه بعبادات لا يفعلها في غيره من الشهور، وفي المتفق عليه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ سَنَةٍ فِى رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. وكان صلى الله عليه وسلم يواصل الصيام فلا يفطر بالليل ونهى أصحابه عن الوصال. أما إذا دخلت العشر الأواخر فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف وينقطع للعبادة انقطاعاً كلياً في المسجد، يعتزل النساء ويوقظ الأهل ويحيي الليل كله. وأما الصحابة فقد كانوا خير الناس اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم حتى أنهم أرادوا أن يواصلوا مثله حتى نهاهم عن ذلك، وقاموا يصلون خلفه لما رأوه يصلي التراويح حتى امتنع من الخروج إليهم خشية أن تفرض، وكانوا يكثرون من أنواع العبادات من تلاوة القرآن والإطعام وغير ذلك فعثمان رضي الله عنه كان يختم القرآن كل يوم مرة، وابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وهكذا التابعون والسلف الصالح فالإمام الشافعي كان يختم في رمضان ستين ختمة، ومثله الإمام البخاري، والحسن البصري وابن المبارك يطعمان الطعام ويقومان على خدمة من أطعموا فالذي ينبغي هو الاقتداء بهؤلاء في اغتنامهم لهذا الشهر الفضيل
* ما هي الوصايا التي وصانا بها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك؟
– إن من أعظم وصاياه أنه حثنا على اغتنامه من خلال نصوص كثيرة ذكرنا جملة منها جاءت تبين فضل صيامه وقيامه، وكف الأذى وغير ذلك. كما أنه وصانا بتعجيل الفطور وحث على السحور وأخبر عن بركته على الصائم، وبيَّن أن للصائم دعوة ما ترد، وأوصانا بتحري ليلة القدر. س5 ما هي الآثار الإيجابية على نفسية المسلم وجسمه من مردود الصوم؟ الجواب: لا شك أن الصوم يهذب النفس ويزكي الخلق ويحسن السلوك ففي المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ..». ومن خلال الصيام يتعلم المسلم الصبر ومجاهدة النفس وقوة استشعار رقابة الله، والإحساس بمعاناة الجوعى والمحتاجين، أما بالنسبة للجسم فلا شك أن للصيام مردوداً حسناً في تنظيم الأكل وتنظيف المعدة والتخلص من كثرة الامتلاء، والوقاية من كثير من الأمراض.
* ما قولكم لمن يجعل نهار شهر رمضان المبارك نوماً وليله سهراً فلا يحس بالصوم ويقصّر في الصلاة؟
إن مقصود الصيام هو تحقيق التقوى والارتقاء في عبودية الله قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183] مما يستلزم الحرص على أوقاته واستغلال أيامه المعدودات في استجلاب رضوان الله ومغفرته فإن المحروم من خرج منه رمضان دون الحصول على المغفرة فقد روى ابن حبان في صحيحه وصححه الحاكم والألباني عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” احْضُرُوا الْمِنْبَرَ ” فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: ” آمِينَ “، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: ” آمِينَ “، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: ” آمِينَ “، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ قَالَ: فَقُلْنَا له يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا لَمْ نَكُنْ نَسْمَعُهُ قَالَ: ” إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامِ عَرْضَ لِي فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَقُلْتُ: آمِينَ فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، فلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ – أَظُنُّهُ قَالَ – فَقُلْتُ: آمِينَ “. ورمضان ليس شهر النوم بل هو شهر الجد والعمل والمثابرة، ومن سهر الليل لم يعمل بالنهار فيجعل رمضان شهر بطالة وهذا ليس بصواب. أما من ينام عن الصلاة أو يتركها فقد خسر خسراناً مبيناً فالصلاة هي أعظم أركان الإسلام العملية، هي عمود الدين وشعار الموحدين، وأول ما يحاسب عليه العبد، وآخر ما يفقد من الدين، وأكثر الفروض ذكراً في القرآن، وقد جاءت الأوامر الكثيرة بالمحافظة عليها، والتحذير من التهاون فيها قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59]. فكيف لصائم بل لمسلم أن يتهاون في أمر الصلاة؟
* كلمة أخيرها يقولها الشيخ
– أقول إن بلوغ رمضان نعمة عظيمة ينبغي أن نشكر الله عليها بالاجتهاد فيه بأنواع العبادات والطاعات والتي أعظمها القيام بالواجبات والبعد عن المحرمات ثم الإكثار من النوافل من صلاة التراويح والسنن الرواتب وتلاوة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وتفطير الصائمين وغير ذلك، وتأمَّل أنك قد لا تبلغ غيره، فلا بد أن يكون شهر تغيير في سلوكنا وأحوالنا من السيئ إلى الحسن ومن الحسن إلى الأحسن، ومن الإساءة إلى المسلمين والعدوان عليهم في دم أو مال أو عرض إلى كف العدوان عنهم بل وتقديم النفع لهم. سائلاً الله أن يمن علينا ببلوغه، وأن يكرمنا بالاجتهاد فيه، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
Next Post