علماء الدفع المسبق
أحمد يحيى الديلمي
وأنا أُتابع اللقاء الرابع بين آل الشيخ وزير الحج والشؤون الإسلامية السعودي مع من أسماهم علماء اليمن تكشفت لي الكثير من الحقائق عن خلفية العدوان الهمجي السافر الذي تتعرض له اليمن منذ عام وأربعة شهور أهمها:
أن من حضر اللقاء ممن سموا بالعلماء كانوا على اتصال موغل في القدم مع المؤسسات الدينية وأجهزة المخابرات في المملكة بحسب مداخلات الوزير السعودي نفسه، صحيح أنه اعتبر اللقاء من آليات عاصفة إعادة الأمل إلا أنه أشار إلى الجهود المبذولة من زمن مبكر لتبصير اليمنيين بأمور دينهم الصحيح وإنقاذهم من براثن الشرك والضلال.
هذه العبارة بالذات أفزعتني توقف شعر رأسي وكدت أذهب في غيبوبة من شدة الغيظ ما ضاعف الحسرة عندي والإحساس بخيبة الأمل هو رد فعل الحاضرين ممن يدعون أنهم يمثلون علماء اليمن، ظللت أتفحص الوجوه لعلي ألحظ فيها أي امتعاض بلا جدوى، ما زاد الطين بلة أن من تحدثوا أثنوا على كلام الوزير السعودي، وأشادوا بدور المملكة الإنساني في الهدم والدمار وقتل الأطفال والنساء. منوهين بأدوارهم الدعوية في العقود الماضية التي سعت إلى ترسيخ قيم النهج الوهابي، باعتباره المجسد للإسلام والمعبر عن روحه الحقيقية، كما قال الحزمي: (النهج الإسلامي في السعودية متميز وحالة متقدمة فوق كل المذاهب)!!.
هذا الكلام ذكرني بموقف حدث لوالدي رحمة الله عليه قبل ثلاثة عقود من الزمن حضر إليه أحد المغالين يطلب منه تجديد عقوده على زوجتيه، فسأله الوالد: لماذا هل تزوجت بدون عقود؟!. أجاب: لا.. لكني عقدت وأنا على ضلالة!!، أجاب الوالد: نجدد لك العقود بشرط أن تعترف بأن أولادك سفاح، فما كان منه إلا أن تراجع وهرب.
المشهد برمته أعاد ذاكرتي إلى ما كان يروجه هؤلاء من شبهات مغرضة سعت إلى التحريض المذهبي، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وإلغاء حالة التآلف والتجانس المميزة لليمنيين من مئات السنين، وكادوا يحققون مراميهم الخبيثة لولا رحمة الله باليمن واليمنيين؛ لأن وصف الوهابية بالحالة المتقدمة التي تسمو على كافة المذاهب أعادنا إلى شبهة الفرقة الناجية، وكيف أن أتباع الشيخ محمد عبدالوهاب كفَّروا كل المذاهب الإسلامية، وفي المقدمة أهل السنة ولنأخذ ما قاله أحد علماء الوهابية عن الأشاعرة، حيث يقول:
(الأشاعرة كفار، أسوأ من اليهود، ويجب قتالهم قبل قتال اليهود) وأمثلة كثيرة على موجات التفسيق والتكفير لعامة المسلمين سنتطرق إليها في مواضع معمقة إن شاء الله.
المهم أن موقف من أسموا أنفسهم علماء اليمن قدم دلالات واضحة على أمرين:
الأول: العلاقة الموغلة في القدم بين نظام آل سعود وحركة الإخوان المسلمين في اليمن بشكل خاص وهو ما قاد إلى السقوط الأخلاقي المريع الذي أنزلق إليه هؤلاء الناس في زمن قياسي فأصبحوا يتعاطون مع أحكام العقيدة وقيم الانتماء والمواطنة بمعايير نفعية خاضعة لإرادة المال المدنس، وإذا كانوا في الماضي يمارسون التحريض المذهبي فهم اليوم وقد انتقلوا إلى كنف المعتدي يحرضون على الإبادة الجماعية، وقتل الأطفال والنساء من أبناء جلدتهم، ومن ثم حق أن نطلق عليهم علماء الدفع المسبق.
الثاني: إن الانحرافات في مجملها تمثل نتائج حتمية للسياسات الخاطئة وهذا هو سبب تخبط وفساد وهمجية النظام السعودي بشقيه الديني والسياسي، هذه العوامل زاد خطرها بعد توفر المال والثروة، بحيث اتسعت الأنا وتضخمت وهنا مكمن الخطر والضرر لأن الذات الحقيقية المتصلة بالعروبة والإسلام انكمشت وبرزت الذات الفاقدة للإرادة المنقادة لخطط ورغبات الآخرين، وهذا مصدر الكارثة لأنه جعل التكالب والرغبة في امتهان الآخر فعلاً مألوفاً ومستحباً معززاً بغطرسة المال، وبالتالي ستكون العاقبة وخيمة.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ).