الرفق

* اللين والرفق صورة من صور الرحمة يضعها الله في قلب العبد، قال تعالى: ? فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ… ?.
والرفيق الرحيم أحق الناس برحمة الله كما في الحديث: “الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”، ولذلك فإن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- “كان أرحم الناس بالصبيان والعيال”، ونفى كمال الإيمان عمن لا يرحم، “ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا”.
والرفق اصطلاحًا: هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف. وحقيقة الرفق كما يقول الغزالي في الإحياء؛ اعلم أن الرفق محمودٌ ويضاده العنف والحدة، والعنف نتيجة الغضب والفظاظة، والرفق نتيجة حسن الخلق والسلامة، وقد يكون سبب الحدة والغضب، وقد يكون سببها شدةُ الحرص واستيلاؤه بحيث يدهش عن التفكر ويمنع من التثبت، فالرفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق، ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال.
ولأجل هذا أثنى رسول الله عليه الصلاة والسلام على الرفق وبالغ فيه، قال سفيان الثوري لأصحابه: (أتدرون ما الرفق؟) قالوا: قل يا أبا محمد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه. وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق كما قيل:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا     مُضر كوضع السيف في موضع الندى
فالمحمود وسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق، ولكن لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر، فلذلك كثر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف.
والرفق له دور كبير في تحقيق السلام، وإشاعة الخير، والحب بين الناس، فإذا قام في الأسرة وجد الترابط الأسري، وإذا استعمله الحاكم مع محكوميه عم الخير والأمن والأمان، وإذا انتهجه كل داع إلى دين الله تجمعت حوله القلوب، وكما روى الإمامان البخاري ومسلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله (والمسلم برفقه ولينه يصير بعيدًا عن النار، ويكون من أهل الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: “ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم عليه النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل”.
وإذا كان المسلم رفيقًا مع الناس، فإن الله – سبحانه – سيرفق به يوم القيامة، وكان نبي الرحمة يدع، فيقول: “اللهم مَنْ وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فأرفق به”.
كما أن المتأني الذي يأتي الأمور برفق وسكينة، اتباعًا لسنن الله في الكون واقتداء بهدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- تتيسر له الأمور وتذلل له الصعاب.
ولذا يقول الشاعر:
من يستعن بالرفق في أمره
يستخرج الحية من وكرها

قد يعجبك ايضا