خالد عبدالمنعم
حالة من اللاإنسانية أثارها الجدل الدائر بين المملكة العربية السعودية ومنظمة الأمم المتحدة، بشأن جرائم التحالف العربي في اليمن، لكن هذه المرة حول الطفولة التي يتم إهدارها وبدم بارد في اليمن، خاصة بعدما اعترف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يوم الخميس الماضي بأن رفع «التحالف» السعودي من القائمة السوداء حصل بسبب ضغوط وتهديدات سعودية بوقف التمويل لعدد كبير من برامج الأمم المتحدة.
تسلسلات الفضيحة المدوية
في 2 يونيو أدرج الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن على قائمة سوداء سنوية، للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال خلال الصراعات، في انتقاد شديد للتحالف الذي يحارب في اليمن لقتله وتسببه في تشويه أطفال.
وذكر التقرير الأممي أن التحالف مسؤول عن 60% من وفيات وإصابات الأطفال العام الماضي وقتل 510 وإصابة 667 طفلًا، وأن التحالف العربي مسؤول عن 50% من الهجمات التي تعرضت لها مدارس ومستشفيات، حيث وثق التقرير زيادة كبيرة في عدد الأطفال الذين قتلوا أو أصيبوا بتشوهات خلال عام 2015م، بلغت ستة أضعاف مثيلاتها لعام 2014م، وأضاف إن هذه الزيادة مستمرة خلال العام الجاري.
وقال بان في التقرير: «زادت بشكل كبير الانتهاكات الصارخة ضد الأطفال نتيجة احتدام الصراع»، وأضاف: «في اليمن ونتيجة العدد الكبير جدًّا من الانتهاكات المنسوبة للطرفين، فقد أدرجنا أنصار الله والتحالف بقيادة السعودية بسبب القتل والتشويه والهجمات على المدارس والمستشفيات».
في 3 يونيو استنكر المتحدث باسم قوات عدوان التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، العميد أحمد عسيري، تقرير الأمم المتحدة بشأن اليمن، قائلًا: إنه يحتوي على تناقضات، ولا يأخذ في الاعتبار جميع العوامل.
في 6 يونيو استنكر مندوب السعودية في الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، تقرير الأمم المتحدة، بشأن الأطفال في اليمن، مؤكدًا استناد الأمين العام على معلومات غير دقيقة في تقريره، وطالبه بتصحيحه وحذف الاتهامات الواردة فيه.
في 6 يونيو، نفس وقت الاعتراض السعودي، يرضخ بان كي مون للضغط السعودي ويحذف المملكة والتحالف العربي من قائمة الأمم المتحدة السوداء بشأن أطفال اليمن، حيث قالت الأمم المتحدة: إنها رفعت اسم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن «مؤقتًا» من قائمة سوداء بشأن حقوق الأطفال، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة: إن الأمين العام، بان كي مون، رفع اسم التحالف؛ انتظارًا لمراجعة التقرير بشأن الضحايا الأطفال باليمن.
تراجع بان كي مون اللاإنساني خطوة إلى الوراء عن طريق استخدام لفظ «مؤقت» لم يعجب الطرف السعودي، حيث أشارت السعودية إلى أن إخراجها من القائمة هو أمر نهائي وغير قابل للتغيير ودون شروط، الأمر الذي يراه مراقبون بأنه صفعة جديدة تلقاها بان كي مون على خده، بعد شطب الرياض من القائمة السوداء بصورة مؤقتة على حد زعمه.
في 10 يونيو اعترف الأمين العام للأمم المتحدة بأن رفع «التحالف» السعودي من القائمة السوداء حصل بسبب ضغوط وتهديدات سعودية بوقف التمويل لعدد كبير من برامج الأمم المتحدة.
وندد بان كي مون بضغوط غير مبررة مارستها الرياض لإرغام المنظمة الدولية على سحب التحالف العسكري الذي تقوده الرياض في اليمن، من اللائحة السوداء للدول التي تنتهك حقوق الأطفال، حيث أكد مون أمام الصحفيين أن هذه الضغوط شملت تهديدات بإلغاء تمويل عدة برامج للأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن هناك مجموعة من الأسباب دفعت بان كي مون للبوح بالضغوط التي مورست عليه، فمن غير المنطقي أن يشطب الأمين العام للأمم المتحدة اسم السعودية من القائمة السوداء ويبقي على الجهات اليمنية التي تدعمها المملكة قلبًا وقالبًا والممثلة في حكومة عبدربه منصور هادي والمليشيات الحكومية السلفية في القائمة السوداء، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، فمنصور يحصل على سلاحه من الرياض، في الوقت الذي تؤمن المملكة الغطاء السياسي لأي تحرك دبلوماسي أو عسكري له ولميلشياته على صعيد الساحة اليمنية.
كما أن غياب ردة فعل ما تسمى بالحكومة الشرعية في اليمن عن التقرير الأممي يثبت قبول هذا الطرف المدعوم سعوديًّا بانتهاكاته في اليمن، الأمر الذي لا يدع مجالًا للشك في تورط السعودية في جميع الأحوال في دم أطفال اليمن.
ويبدو أن الحرج الشديد من تصريحات المنظمات الحقوقية الأخرى بخطوة كي مون الأخيرة دفعه لإظهار الضغوط التي مورست عليه، حيث تكلم فيليب بولوبيون، نائب مدير في هيومن رايتس ووتش عن «مستوى جديد من الانحطاط في الأمم المتحدة فيما يخص الانتهاكات السعودية ضد الأطفال في اليمن»،وأضاف إن «مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بلغ مستوى جديدًا من التدني هذا اليوم، برضوخه للضغوط الكبيرة التي تمارسها السعودية، أطفال اليمن يستحقون أفضل من ذلك، وبما أن قائمة العار التي تصدرها الأمم المتحدة صارت خاضعة للتوجه السياسي، فهي حتمًا فقدت مصداقيتها، فضلًا عن أنها لطخت موروث الأمين العام في مجال حقوق الإنسان».
من جانبها وصفت «العفو الدولية» تراجع الأمم المتحدة عن موقفها السابق بالخطوة المشينة.
وحثت 20 منظمة حقوقية الأمين العام للأمم المتحدة على إعادة إدراج التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن في القائمة السوداء؛ لقتل وتشويه الأطفال؛ لأن الأدلة ضد التحالف دامغة، الأمر الذي أربك حسابات الأمين العام للأمم المتحدة، فمندوب السعودية في الأمم المتحدة، كان يطالب كي مون بالتشاور مع الدول والمنظمات «ذات الشأن» في محاولة سعودية لإخراج الرياض من القائمة السوداء، وعندما جاء قرار المنظمات الحقوقية مؤيدًا لتقرير الأمم المتحدة بوضع السعودية على القائمة السوداء، لم يستطع بان كي مون الفرار من تورط السعودية، فكشف عن الضغوط التي تمارس عليه، حيث قال: إنه قرر شطب التحالف العسكري من اللائحة بعد أن هددت السعودية وعدد من الدول العربية والإسلامية بقطع التمويل عن برامج الأمم المتحدة الإنسانية، حيث صرح دبلوماسي في مجلس الأمن الدولي سابقًا أن السعوديين «حشدوا الكثير من المؤيدين» للضغط على بان كي مون ليتراجع عن القرار، وهددوا خصوصًا بوقف الدعم عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا».
وقال محللون سياسيون: إن الرياض «حشدت وزراء خارجية دول التحالف العربي الذي تقوده إلى جانب نظرائهم من دول أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي؛ للاتصال بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لتهديده بكل الطرق، المباشرة وغير المباشرة، بأعمال انتقامية في حال استمراره في إدراج المملكة وحلفائها في حرب اليمن على القائمة السوداء التي تضم الدول التي تقتل الأطفال وتشوههم»، الأمر الذي من شأنه أن يضع الأمم المتحدة على القائمة السوداء في حال إقرارها بالإملاءات السعودية، حيث من المقرر أن يدعو بان كي مون التحالف العربي لإرسال فريق إلى مدينة نيويورك في أقرب وقت ممكن لإجراء مناقشات مفصلة، قبل مناقشة مجلس الأمن للتقرير المقرر صدوره في أغسطس المقبل، حيث زعم بان كي مون أنه في الوقت الذي سيتم فيه انتظار نتائج الاستعراض المشترك، يزيل الأمين العام التحالف من القائمة السوداء المرفقة في التقرير.
ولم تكن هذه فضيحة بان كي مون الوحيدة، فالتقرير الأممي لم يدرج أمريكا في القائمة السوداء، رغم الضربة الجوية الأمريكية الدموية على مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في قندوز بأفغانستان رغم قول التقرير: إن الهجوم نفذته «قوات دولية».
يذكر أن عاصفة الحزم السعودية قتلت بصواريخها وقذائفها أكثر من 500 طفل يمني، و ألفًا و168 قاصرًا، علاوة على 6 آلاف آخرين، حسب إحصاءات الأمم المتحدة نفسها.
* كاتب صحفي مصري