أقول قولي هذا.. طائر امغرب
عبدالمجيد التركي
هذا المقال الخامس أكتبه عن علي عبدالرحمن جحاف وأقوم بحذفه.. فمثل هذا الإنسان يحتاج الكاتب إلى الحيطة والحذر عند الكتابة عنه، لأنه كان إنساناً حقيقياً في زمن مليء بالبشر.
عرفتُ الراحل علي عبدالرحمن جحاف قبل عشرين عاماً، وكان لنا عشرات اللقاءات والمقايل التي كانت أدبية بامتياز.. عرفته إنساناً جميلاً، وشاعراً عملاقاً، رغم أنه بسيط كالماء.. ورغم أن الماء ليس بسيطاً.
من لا يعرف أغنية “طائر امغرب”، ومن لم يسمعها بصوت الفنان أيوب طارش.. هذه الأغنية الإنسانية، وقد يستغرب القارئ حين أقول أغنية إنسانية.. نعم، فهي ليست أغنية عاطفية كما يتوهَّم البعض، ولم يكتبها لحبيبة أو عشيقة، فقد كتبها لصديق عمره ورفيق دربه الشاعر حسن الشرفي، فقد اختار الشرفي السفر إلى الزيدية للعمل هناك وبقي جحاف لوحده دون صديق، فكتب له هذه الأغنية الرائعة يناشده الرجوع حيناً، ويتشفَّى فيه حيناً آخر، ثم يعود ليتحدث بلسانه، ويصنع حواراً داخلياً فيقولُ ويُقَوِّل.. واكتملت حين سكبها الفنان أيوب طارش بصوته عذبةً كشربة ماء في نهار قائظ.
حين تقف أمام علي عبدالرحمن جحاف تدرك كم هي الألقاب زائفة أمام هذا الرجل، وكم هي القصيدة ضئيلة أمام إنسانيته.. فقد كان يستقبلنا وهو مريض ويضغط على نفسه ويبتسم وهو يتألم من الداخل، لكي لا يشعر الزائر بشيء.
أخبرني ذات يوم أنه تبرَّأ من بعض قصائده، فقلت له لم تعد ملكك، فقد حفظها الناس وكتبوها.. وحين أجريتُ معه حواراً صحفياً لمجلة الحكمة كان يجيب بكل ابتسامة ورضا رغم تعبه الذي يخفيه حينها، وقبل أن أختتم اللقاء سألته: هل هناك أمنية تريد أن تحققها سريعاً؟ فقال: نعم، أريد أن أرى صلعة محمد القعود. فمنذ عرفته لم أره إلا “مُسَمَّطاً”.
رحمك الله أيها الشاعر الإنسان.