مستقبل السعودية ضبابي.. وشراكتها مع واشنطن لم تعد من المسلمات
* أدلى الباحث والخبير السياسي ومدير برنامج الطاقة وسياسات دول الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمختص بالشأن السعودي، سايمون هندرسون، بشهادة أمام لجنة فرعية مختصة بالإرهاب ومنع الانتشار النووي المنبثقة عن لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، وذلك حول مستقبل الشراكة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين السعودية فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب.
وتأتي شهادة هندرسون في وقت دقيق تشهد فيه العلاقات التاريخية بين واشنطن والرياض مراجعة على كافة المستويات ،آخرها احتمالية اتهامها بمسؤوليتها عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر بعد إقرار الكونجرس قانون بذلك على اثره هددت المملكة بسحب احتياطها النقدي من الولايات المتحدة. وقبل ذلك شهدت الأعوام الخمس الأخيرة مراجعات على عدة مستويات، سواء المتعلقة بالسياسات النفطية وسوق الطاقة العالمي ومستقبله في ظل الارتجال السعودي البادئ منذ عامين في خفض أسعار النفط مروراً بانهيارها وانعكاس ذلك على الاقتصاد السعودي الذي شهد عجزا تاريخيا في الموازنة العامة للمملكة للعامين الماضيين، أو فيما يتعلق بمستقبل الحكم في المملكة التي تشهد صراعاً حثيثاً على السلطة بين أمراء العائلة النافذين منذ 4 أعوام، وتضاعف بموت الملك السابق، عبدالله بن عبدالعزيز، الذي قام خلفه الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، بتغييرات جذرية في نمط الحكم والإدارة لصالح تصعيد نجله، الأمير محمد بن سلمان لمنصب ولي ولي العهد، وقبلها تعيينه كوزير للدفاع، وما صحب ذلك من تفاقم الصراع بينه وبين الأمير المخضرم، ولي العهد الحالي –المهمش- محمد بن نايف، حول الصلاحيات والنفوذ، وذلك في ظل مرض الملك الحالي وسيطرة نجله عليه، الذي سرعان ما شرع في اجراءات سياسية داخلية وخارجية سمتها الأساسية العشوائية والارتجال، سواء في شنه حرب على اليمن لإثبات جدارته بمنصب وزير الدفاع على الرغم من إنعدام خبرته العسكرية وسنه الصغير، أو على الصعيد الداخلي واجرءات آخرها إعلانها لرؤية استراتيجية سُميت بـ”رؤية السعودية 2030″ أولى ملامحها خصخصة عملاق صناعة النفط “آرامكو” وطرحها للاكتتاب العام.
ويعد هندرسون من أهم، إن لم يكن الأهم على مستوى العالم- من الباحثين والخبراء المعنيين بالشأن السعودي، حيث شرع منذ تسعينيات القرن الماضي بالكتابة والنشر عن المملكة وسياساتها الداخلية والخارجية، وذلك عشية حرب الخليج الثانية –جدير بالذكر أنه من قام بكتابة السيرة الذاتية لصدام حسين- ودور المملكة الإقليمي الصاعد من وقتها، وشراكتها مع الولايات المتحدة التي طوّرت إلى شراكة فيما يسمى “الحرب على الإرهاب” بعد أحداث الحادي عشر من سبتمر 2001، وكل ما طرأ من تغيرات على ضوء السابق على ملفات الطاقة والحكم والسياسات الداخلية والخارجية للمملكة. ناهيك عن رصيده المعتبر من الأبحاث والدراسات حول منطقة الخليج والشرق الأوسط ومسألة الانتشار النووي في دولهِ.
وتمحورت شهادة هندرسون عن المملكة أمام لجنة مجلس النواب الأميركي في أربع نقاط أساسية هي: 1-التعريف بالمملكة من حيث التكوين الاجتماعي الداخلي والسمات الرئيسية له وتأثيرها على النواحي الاقتصادية والسياسية. 2-تجاوب ورد فعل المملكة تجاه المتغيرات الإقليمية حولها في العقود الثلاثة الأخيرة، وتحديداً منذ الثورة الإسلامية في إيران 1979 وحتى “الربيع العربي” 2011. 3-مسار علاقة الولايات المتحدة مع السعودية وتأثيرها وتأثرها بالتطورات الداخلية والخارجية في المملكة والمنطقة والعالم. 4- الصراعات الداخلية على الحكم وتأثيرها على مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض وعلى مستقبل المملكة ككل.
إلى ذلك أوجز سفير بريطاني فترة خدمته في المملكة عند انتهائها عام 1984 على نحو لافت، إذ اعتبر أن الصفات الأساسية للمملكة هي “عدم الكفاءة والتقوقع وكان ذلك السفير يحب السعوديين ولكن يراهم (عاجزين وغير منظمين وغير متفانين). بالإضافة إلى ذلك، أشار السفير إلى أن السعوديين يعتبرون أنفسهم مختلفين عن باقي العرب، وهي نظرة متبادلة لدى العرب غير السعوديين. وفي إشارة إلى الأجانب من غير العرب في المملكة، كتب السفير: (لا يكترثون فعلياً بالأجانب).
وانطلق هندرسون بالقول: “لقد حدثت أمور كثيرة منذ أن كتب السفير تلك الكلمات قبل ثلاثين عاماً أو أكثر. وأنا أسأل بانتظام أصدقاء يقصدون المملكة ما إذا كان تقديره الأساسي خاطئ اليوم. ويبدو لي من خلال تعليقاتهم أن جوهر ملاحظاته ما زال صائباً.
أما عن علاقة واشنطن بالرياض قال هندرسون: ” التحدي الرئيسي في العلاقة بين الولايات المتحدة و السعودية في مجال مكافحة الإرهاب بوجود نقاط اختلاف حول التركيز والتوجه أكثر من أي وقت مضى، مما قد ينطبق حتى على الحلفاء المقربين. ففي ما يتعلق باليمن، تعتقد واشنطن أن العمل العسكري بقيادة السعودية الذي بدأ منذ أكثر من عام، قد أسيء فهمه ولن يفضي إلى أي نتيجة [إيجابية] فضلاً عن ذلك، بالغت الرياض بدور إيران في دعم الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، تتمثل وجهة نظر الولايات المتحدة، بأنه عوض عن التوجه نحو تهدئة الأوضاع المتوترة بين طهران والرياض، يبرز خطر التصعيد. ومن المثير للاهتمام في هذا السياق أنه في سيرة الرئيس أوباما التي نُشرت مؤخراً في مجلة (ذي أتلانتك)، تعرضت السعودية لانتقادات أشد وطأة وأكثر من أي دولة أخرى، سواء أكانت حليفة أم لا. وفي السنوات الأخيرة، لطالما وصفت السعودية علناً علاقتها مع الولايات المتحدة في مجال التعاون في مكافحة الإرهاب بعبارات مبتذلة، كما لو أن أي تلميح إلى النقد الصريح يأتي بنتائج عكسية. ولكن هذه العلاقة اكتست بعداً جديداً ومعقداً منذ تغيّر القيادة في المملكة في يناير 2015، عند وفاة الملك عبدالله. فقد كان هذا الأخير القائد المؤثر على مدى عشرين عاماً، غير أنه لم يصبح الملك الفعلي إلا في عام 2005.
وأضاف هندرسون: خلف الملك عبدالله أخيه غير الشقيق سلمان، الذي عَيّن في البداية أخ غير شقيق آخر له يدعى مقرن ولياً للعهد، كما عَيّن ابن أخيه محمد بن نايف ولياً لولي العهد. ولطالما كان محمد بن نايف مفضلاً لدى واشنطن وقد لُقّب بـ “رجل مكافحة الإرهاب”، كما يحظى بتقدير كبير كونه قد نجا من هجوم انتحاري في عام 2009 من دون أن يمسه أي أذى تقريباً، على الأقل من الناحية الجسدية. ولكن في إبريل 2015، وبعد مضي ثلاثة أشهر على تبوأ سلمان السلطة، طرأ تغيير على خط الخلافة السعودية. فقد تم إقالة الأمير مقرن، ومع أنه استُبدل بالأمير محمد بن نايف كولي للعهد، إلا أن الخطوة اللافتة كانت اختيار أحد أبناء الملك سلمان الأصغر سناً، وهو محمد بن سلمان، الذي يبلغ بالكاد ثلاثين عاماً، لشغل المنصب الثالث الشاغر في المملكة. وما زال الملك سلمان، الذي بلغ الثمانين هذا العام، يكثر من إطلالاته العلنية، على الرغم من التقارير التي تفيد بأنه يعاني من مجموعة واسعة من المشاكل الصحية.
أما محمد بن نايف، الذي يناهز السادسة والخمسين عاماً وفقاً لبعض التقارير، فما زال وزير الداخلية ويترأس اجتماعات الحكومة الأسبوعية في غياب الملك، إلا أن سلطته ونفوذه ينحسران على ما يبدو، في حين يلعب ابن عمه محمد بن سلمان، الأصغر منه سناً بكثير، دوراً متعاظماً في كافة القضايا الأساسية بالنسبة للرياض. فرجل واشنطن المفضل، محمد بن نايف، قد نُحي جانباً”.
وخلص هندرسون في شهادته بالقول ختاماً: وفي هذا الوقت، لا بد من التخلص من الوسائل المجرّبة والمختبرة لفهم سياسات السلطة الخاصة بالعائلة المالكة السعودية خاصة نحن نواجه مستقبلاً يتسم بعدم اليقين. فقد تم تهميش حليف واشنطن الأساسي في قضايا مكافحة الإرهاب، محمد بن نايف، على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، إلا أن الحاجة لشراكة فعالة في مجال مكافحة الإرهاب أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى. كما أن الرياض لا تثق بمقاربة واشنطن تجاه الدولة التي تشكل بحد ذاتها، بالنسبة إلى الجانب السعودي، نصف مشكلتها على الأقل، ألا وهي إيران وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتبر شراكتها الحالية مع السعودية في مجال مكافحة الإرهاب من المسلمات. وبالرغم من الخلافات والإهانات العلنية، لا بد من تكييف العلاقة بين الدولتين بحيث تتم المحافظة على جوهرها مع استمرار حالة عدم اليقين على الصعيد السياسي حول السلطة الفعلية في بيت آل سعود”.