بين السعودية وإيران : سياسة النرد والشطرنج!!
د. صادق القاضي
كان “معاوية” لاعب شطرنج محترفاً، ربما مارس بعض الغش، أحياناُ، لكنه لم يكن لاعب نردٍ أبدا، كان بارعاً في انتهاز الفرص وصناعتها، في مواجهة “الإمام علي”، الذي لم يكن يقل عنه دهاء وبراعة.. وإن كان أكثر نزاهة، وربما أقل فهماً لبعض بيادقه، أولئك الذين يحركهم خصمه من تحت الطاولة، فكانت قلوبهم معه وسيوفهم عليه.!
في العادة لا علاقة للصراعات الطائفية بالمسوح الأصولية التي تتلبس بها، وما يمكن ملاحظته اليوم في صراع المحاور الإقليمية الراهن بزعامة السعودية وإيران: أن إيران الشيعية أقرب لعقل معاوية من قلب “علي”، فيما السعودية السنية تفتقد للنزاهة والذكاء معاً، ومقارنة بإيران التي تلعب الشطرنج بطريقة الشطرنج، السعودية تلعب الشطرنج بطريقة النرد.!
في اليمن: تمتلك السعودية بيادق كثيرة، لقد أشترت بمالها لنفسها مشائخ قبائل، وقادة معسكرات وأحزاباً ومثقفين، وجمعت في قبضتها خيوط الإخوان المسلمين والوهابيين.. ومع ذلك ظل نفوذها في انحسار مطرد، ويبدو الآن بلا مستقبل.!
كانت سياستها التقليدية في اليمن هي إضعاف الدولة لصالح شيوخ القبائل والجماعات المسلحة، وبدلا من المراهنة على ورقة (الدولة) ودعمها عسكريا وفنيا وماديا .. راهنت السعودية منذ سبعينيات القرن الماضي في الاحتفاظ باليمن والتحكم بها على ورقة “اللجنة الخاصة”.!
هذه رمية نرد خائبة، ففي النهاية أطاح الحوثيون خلال أسابيع بهذه اللجنة التي دأبت السعودية على تسمينها طوال عقود، وذهبوا باليمن –حسب التصورات السعودية- إلى المعسكر الإيراني.!!
تعاطيها مع ظاهرة الحوثيين مثال أكثر وضوحا، ولاجتثاثهم باعتبارهم أيادي لإيران، كما تقول، أقحمت نفسها ????م في حرب مباشرة مع جماعات مسلحة في دولة أخرى، وأيا كان ما فعلته فقد خرجت من الحرب خاسرة، ومجددا في ????م شنت “عاصفة الحزم”؛ لاستعادة اليمن من مجوس وروافض إيران، حسب تعبيرها، ولأول مرة في تاريخ السياسة يمكن الحفاظ على الأشياء من خلال تدميرها.!
إيران، في المقابل، الآن وطوال “عاصفة الحزم” تراقب السعودية وهي تناطح صخرة الحوثيين، وتغرق في اليمن، كما راقبت أمريكا تغرق في العراق، ففي العراق تركت للخصم الامريكي مهمة إسقاط خصمها البعثي، ثم ظلت تراقب الخصم الامريكي وهو يغرق في المستنقع العراقي، قبل أن تتسلم العراق- إذا جاز إطلاق التسلم على التحالفات السياسية- على طبق من فشل!.
لم تكن السعودية تفكر ماذا بعد ” صدام حسين”، وسواءٌ في العراق أو سوريا أو اليمن.. السعودية في العادة تفكر بإزاحة الخصوم لكنها لا تفكر بصناعة البدائل، باستثناء “داعش” التي تسمنها سراً، وتتبرأ منها علناً، وتفتعل محاربتها على مضض!
مشكلتها في اللعبة السياسية أنها تراهن أكثر مما ينبغي على الأوراق المالية، ميدان السياسة لديها أشبه بصالة قمار، منه بطاولة شطرنج، إنها تقود البيادق من جيوبها وبطونها، وهي طريقة تفعلها إيران أيضا، لكنها بخلاف السعودية تتسلل إلى عقولهم وقناعاتهم، لتوفر ضمانات أكثر رسوخا وإنسانية.