عن الليث والجرْف
عبدالرحمن غيلان
منذ غدر بنا العدوان السعودي الأمريكي لم أجد إبداعاً يمنياً على شكل “زامل” إنشادي جاب الآفاق وترنّم به الأعاجم والعرب كما حدث لزامل:”صنعاء بعيدة قولوله الرياض أقرب” والذي صدح به المنشد الكبير عيسى الليث، وكتب كلماته شاعر الوطن البهيّ محمد الجرف.
فالشاعر الكبير بإبداعه وتواضعه الجمّ/ محمد الجرف يفاجئنا دوماً بانطلاقاته التي لا تُحدّ، ولا يكاد يتحدث إلا شِعراً وطنياً يُخرس ألسنة العدوان وأدواته وفق ما وهبه الله من مَلكةٍ إبداعية لا يتكلّف فيها.. وذاك سرٌ يدركه الكثير ممن رافقوا مسيرة إبداعه الأخّاذ.
أما المنشد العملاق بألحانهِ وأدائهِ وصوتهِ الساكن في القلوب قبل الأسماع/ عيسى الليث، فهو المنشد الذكيّ الذي يدرك جيداً ماذا يختار، ومتى يقدمه، وما الذي يناسبه من لونٍ لحنيّ يسري في ذاكرة الحاضر والمستقبل.
وهنا لا أقلّل من كلّ إبداعات الشعراء والشاعرات والمنشدين الذين وهبوا وقدموا لهذا الوطن أروع ما صدحت به حناجرهم، وما رسمته قلوبهم وهواجسهم الوطنية الخالصة صدقاً وشموخاً وإباء.. بل لنا وقفات سابقة ولاحقة بإذن الله مع كوكبةٍ إبداعية تميّزت شعراً وإنشاداً بهذه المرحلة الحرجة العصيّة من تاريخ وطننا الحبيب.
إنما يظل لهذا الزامل البديع “صنعا بعيده” كما يحلو للبعض تسميته، ميزةً متفرّدة كونه السهل الممتنع، وأيضاً لاختيار اللحن الذي أضاف الكثير من السطوة الروحية لهذا الزامل الذي كُتب بأسلوبٍ بلاغيّ متدفّق ومُستوحى من لهجة البلد ولغة قلوب أبنائه وبساطتهم العملاقة، واعتزازهم بكبريائهم الذي مرّغ العدوان في وَحَل الحقيقة المزرية أمام أنظار العالَم الغائم العائم.
الله أكبر صداها في الحشا يلهب
وبندقي في الخصَم يدّي مواويله
صنعاء بعيده، قولوا له الرياض اقرب
يا بندقي لا هنت سامرني الليله
هذا اليمن من تجاهلنا فقد جرّب
والمعتدي الغبي يبشر بتنكيله
القوم شبّت نكفها للقاء ترغب
كلا حزم عدته واسرج على خيله
قولوا لسلمان ماله مننا مهرب
حتى ولو في بطون الأرض ناتي له
هذه الكلمات المتوثّبة، وذلك اللحن الثوريّ البديع، وتلك الإنسيابية وسرعة الوصول للعقل والقلب معاً، جعلت من هذا الزامل حديثاً لا ينتهي في قلوب الخاصة من الناس قبل العامة على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم، وضبط الكثير الكثير من هذا الوطن وخارجه نغمات جوالاتهم على صدى هذا الزامل الذي تسرّب للقلوب بحبٍ كبير، بل حفظه الأطفال والكبار معاً ورددوا معه كل جملة لحنيّة بابتهاجٍ كبير في كل بقاع اليمن وكثير من الدول العربية والأجنبية، وشاهد الكثير مقاطع الفيديو لمقدار التفاعل الكبير ببلدانٍ بعيدة عنّا لا تفقه لغتنا ولا تدرك مأساتنا وهي تترنّم وتحتفي بهذا الزامل الذي سيظلّ في ذاكرة الملايين من الناس إلى ما شاء الله رغم تميّز وجمال أغلب نتاج الشاعر والمنشد وهما يرسمان بإتقان غير مكرّر، ويصدحان برؤيةٍ ثاقبة.. وذلك هو الإبداع الحقيقي.