د. عرفات الرميمة
بإمكاني القول إن الثقافة هي الطريقة التي يمارس بها كل مجتمع طقوسه في الحياة ، وهي التي تكسبه هويته وتميزه عن المجتمعات الأخرى ، بيد أني سأقتصر على المفهوم الذي ينظر للثقافة كحالة فكرية يغدو معها الإنسان مثقفاً عندما يحاول أن يصعد نحو فكرة الكمال، لإنجاز طموح إنساني ، أي عندما يفكر المثقف للإنسانية جمعاء بها ولها ومن أجلها . وبدون هذا الفهم الإنساني لدور المثقف الذي يجعل من الإنسان – المكرم بأصل الخلق وليس المضاف اليه نكهات بشرية كاللون والعرق واللغة والدين والمذهب والوطن والحزب – محوراً لكل إبداعاته الفكرية والثقافية ويعتمد على العقل والمنطق – وليس العاطفة والمناطقية – تكون الثقافة مزورة وأداة لتزييف الوعي وليس لتنويره .
يا صديقي : كل فعلٍ يركن للعاطفة ويستند عليها هو ردة فعل غير مأمونة العواقب وتأتي ثمار نتائجه نيّة غير ناضجة ويمكن أن نغفر للأطفال ارتكانهم للعاطفة في تسيير أمور حياتهم ظناً منهم – وظنهم كله إثم – أنها اوتوستراد آمن للوصول السريع ، أما أن يستخدم المفكر والمثقف العاطفة في تعاطيه مع الأمور المفصلية الفارقة في تقرير مصائر الأغلبية الساحقة – التي تستثيرها العاطفة وتدغدغ مشاعرها – كتكتيك آني ولحظي ويضرب بالعقل الاستراتيجي خلف الحائط فتلك الطامة الكبرى التي تؤدي الى نتائج كارثية على المستوى الآني المنظور والبعيد المرتقب .
ذلك ما حدث بالضبط لللمثقف – الطفل – الذي لم ينفطم من المناطقية – وجعلها بديلاً عن المنطق -عندما ضيق حدود أفكاره وأطلق العنان لعواطفه وظل يمص أصابعه ويتغذى منها وهم العاطفة بدل حليب العقلانية .
فالمثقف الذي يظن ويعتقد أن تعز أهم من اليمن -وأن الفرع يمكن أن يطغى على الأصل ويتجاوزه – هو واهم ويعيش حالة مراهقة فكرية لا يرى فيها سوى أناه المريضة ، فاليمن من دون تعز هي اليمن وتعز من دون اليمن مدينة بلا وطن ، وفرع مقطوع عن أصله سيضمر لاحقا ومدينة مزدحمة ومتخمة بأبنائها . صديقي مدعي الثقافة : هل تعلم أنك كلما ضيّقت دائرة أفكارك وانتمائك كلما رجعت الى نفسك وأناك لترى أنك أفضل من الآخرين وتثقفت بثقافة إبليس الذي قال ( أنا خير منه ) وكان أول مثقف على وجه الارض يتباهى بثقافته على الآخرين وقد أثبت له الله – وللملائكة – أن آدم أكثر علما وثقافة منهم جميعا – ولا يزال إبليس حتى اللحظة مطرودا من رحمة الله بسبب ثقافته الزائفة وغروره الأحمق . فعندما تتعصب لمدينتك تعز وتراها أهم من الوطن وتظن – وظنك كله إثم – أنك مثقف ثوري ومقاوم – لجيشك الوطني فقط – وترحب بوقاحة وقلة حياء بالغازي والمحتل وتعتبره محرراً ويزين لك شيطانك الداخلي – المناطقي ، المذهبي ، الحزبي – انك على الحق وتدعمه شياطين الجزيرة والحدث الأكبر من العربية في ذلك التزيين ولا تعرف أنك أنزلقت الى المناطقية الضيقة التي سوف تجعلك ترى فيما بعد مديريتك – في إطار مدينتك – أولى بالتعصب لها من بقية المديريات وقريتك في إطار المديرية أهم من باقي القرى وأسرتك في إطار القرية أهم من باقي الأسر وأنت في إطار أسرتك أهم من باقي إخوتك ، ضيقت الدائرة ولم تبقِ فيها سواك وسوف ترى أنك خير من الجميع لأنك مثقف والآخرون ليسوا هم الجحيم – كما قال سارتر زعيم الوجودية – بل ليذهبوا الى الجحيم كما تقول نفسك الأمارة بسوء الثقافة .وهل تعلم يا صديقي المثقف أن لا فرق بين من يتباهى بالعِرق الذي ينتسب اليه ومن يتباهى بالمدينة التي ينتمي اليها ، سوى أن الأول يتباهى بأشرف إنسان والثاني يتباهى بأوضع جماد . وهل تعلم أيضاً أن الإنسان هو من ينسج خيوط الثقافة وليست هي التي تحيك إنسانية الإنسان ، فقد وجدت الثقافة من أجل الإنسان ولم يوجد الإنسان من أجلها . وبعد ذلك يمكن أن تسأل نفسك :
ما فائدة الثقافة المزورة التي تقلب الحقائق وتزيف الوعي ؟ إنها عملة رديئة مزيفة تروج لبعض الوقت فقط ولن تستمر طويلاً .
وماذا يفيد تعز لو كسبت كل ثقافة الدنيا وخسرت خيرة أبنائها ؟ وفقدت انتماءها الوطني وأصبحت مدينة بلا هوية .