قصة قصيرة.. رشة شمس

حسام السعيدي
باغتنا المطر، وذهبَت الشمس تنظر إلينا من وراء حجاب، تسترق النظر إلى ثيابنا المبللة، وتتلذذ بخديعتها لنا، كتمت ضحكتها لأكثر من مرة، وأطلقتها بخفة غير مرة، تظن أن علوها يماهي ضحكتها في الهواء ويذيبها قبل الوصول إلينا !
لمحتها وهي تسدل الضباب وتنظر من خلاله، بل وأحسست بدنوها منا، لتسترق همساتنا، شعرتُ برغبة في إشعال حريق يفوق الحريق في قلبها وذلك بكيل الشتائم المشابهة للتي أرسلها متعمدا صوب المتلصصين على حديثي لنفسي لمّا أغلق باب مكتب عملي، ولكن شيئا ما جعلني أتوقف عن ذلك، وأغلق فمي بقوة !
قالوا قديما: بأن العقل يعمل حيث يُقفل الفم، وهو الذي لا يحدث معي، فعقلي الممتلئ بالفوضى العارمة، لم يكلّف نفسه التفكير منذ مدة بغير تلك الفوضى التي تسكنه، والمؤلفة من شتى أجناس وأعراق الأحداث، الأرقام، والتفاهات أيضا !
شيءٌ ما جعلني، أتوقف عن السير مسببا ازدحاما على الرصيف الضيق – كقلوب السائرين عليه – شيءٌ جعلني أيضا أستقبل السماء بنظرة خاطفة، أعقبتها ابتسامة سريعة تشبه خطوات تلك الأم التي تحمل وليدها وقد عملت على الحيلولة بينه وبين رشة المطر، الأم التي توقفت فجأة أمام الزقاق الموصل إلى الشارع الخلفي، وأطلقت نهدة وقد تأكدت بأن العبور مستحيل !
في الواقع لقد أطلقنا النهدة سويا، إلا أنها عبرت الشارع بعد قليلُ انتظار بينما بقيت مسمرا في مكاني، وقد رحل الجميع إلا أنا و أشعة الشفق المحمرة القادمة من وجنتي الشمس التي غربت لتوها ..
تفقدت جيب سترتي، وقد خشيت إذ ذكرت جيوبه المخرقّة أن أفقد الدواء، فتشت مسرعا، ووجدت قرصا مدورا اكتشفت أنه يشبه الشمس تماما، وتذكرت بأنه يشبه أيضا وجه فتاة جميلة لم أقابلها من قبل!
لم أعد أدري في ما إذا هو يشبه الشمس ووجه تلك الفتاة، أما أنهما ، الشمس ووجه الفتاة، يشبهان بعض ولا يوجد وجه شبَه بينهما وقرص الدواء، وكالعادة لم يهتم عقلي بذلك، فقط دحرجت القرص من يميني إلى معدتي، ودحرجت يدي إلى صدري، ولأني أثق في يدي التي تترجم آيات نبضي، فقد استمعت إليها بإنصات وهي تترجم لي قائلة :” شيء ما يجعلك تتوقف عن المشي والحديث حيث ترقبك الشمس التي تشبه وجه الفتاة، شئ ما يجعلك تنظر صوب الشمس التي تشبه وجه الفتاة، شيء ما يجعلك تتنهد حيث يغرب وجه الشمس المورد بالحُمرة كوجه تلك الفتاة، شيء ما يتحدث حيث يُغلق الفم، شيء ما يتألم الآن ” !
12/5/2016

قد يعجبك ايضا