التعامل الحسن.. حلم يبحث عنه الآباء ويفتقده الأبناء

/ حنان الصرابي

كثيرة هي الآيات  القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تجسد  المعنى الحقيقي  لبر الوالدين. فللوالدان مكانة وفضل كبيرين  ويكفينا مجرد وجودهما بقربنا  لذا وجب علينا تقديم حسن معاملتهما على أي عمل آخر وتجنب عقوقهم كما يحدث كثيراً في هذه الأيام فنشاهد الأبناء يقومون  بالتعدي عليهما بالضرب أو بالإهانة  مما يتسبب بإلحاق الأذى النفسي والجسدي بهم .. ويبقى السؤال المهم هنا هل الأبناء وحدهم المسؤولون عن العقوق أم أن الآباء شركاء لهم في ذلك؟ ” الأسرة” وجهت هذا السؤال لعدد من المتخصصين والمواطنين للحصول على إجابة لنتابع:

إن السلوك بشكل عام يتكون من منظور علم النفس وفقاَ لعدة نظريات أو مدارس، أولها: النظرية التحليلية : وفحواها أن سلوك الإنسان سواء كان سلبياً أو إيجابياً يتكون بفعل عوامل لا شعورية مكبوتة في الباطن وتكونت في الخمس السنوات الأولى من عمر الطفل هكذا استهلت أ/ إبتسام الكحلاني … ماجستير في علم النفس حديثها وأضافت  :  وإن السلوك ناتج عن مكبوتات أو عدم إشباع وقمع لحاجات معينة أما المدرسة فهي المكان السلوكي وهي برأيي الأدق في تفسير تكوين السلوك
فالمدرسة السلوكية تقول إن السلوك يتكون عن طريق التعلم والاكتساب في مرحلة الطفولة، فيبدأ الطفل بممارسة بعض السلوكيات السلبية منها والإيجابية وهنا يبرز دور الأب والأم ، فإن قابلا هذا السلوك بالتعزيز المادي أو المعنوي فسيثبت ويترسخ ويصبح سلوكاً مستمراً. وإن قابلاه بالمقاومة والعقاب المادي أو المعنوي، العقاب الإيجابي البنًّاء الذي يهدف للتهذيب وليس للتعذيب ويكون بغرض التعديل وليس الكسر و التدمير فإنه سينطفئ ويتلاشى ولن يكرره الطفل لأنه فهم بأن هذا السلوك خاطئ.
وشددت الكحلاني على وجوب تعديل السلوك السلبي عند الطفل ومقاومته في حينه حتى يكون تغييره سهلاَ وكذلك تعزيز السلوك الإيجابي ودعمه حتى يترسخ ويصبح قيمة وسلوكاً دائماً لديه وهذا ينطبق على سلوكيات البر والعقوق التي تظهر على الطفل منذ صغره.
وحذرت من تجاهل سلوكيات الطفل السلبية بحجة أنه ما يزال طفلاً أو لأنه الوحيد أو غيرها من الحجج المعروفة لأنها ستتعزز لديه وبالتالي ستستمر معه طول حياته وسيصعب تغييرها . فمرحلة الطفولة هي أساس بناء الشخصية والسلوك.
تقليد ومحاكاة
وتابعت الكحلاني قائلة : النظرية الثالثة في تكون السلوك هي نظرية “النمذجة” لعالم النفس “باندورا” الذي قال: إن السلوك ناتج عن ما يسمى بــ “النمذجة” فيكتسبه الطفل عن طريق المحاكاة وتقليد من حوله وبخاصة الوالدين لأن الطفل يعتبرهما المرجعية الأولى له لتشكيل فهمه وإدراكه للعالم بأكمله ومنهما يستمد قيمه وأخلاقه وسلوكياته.
وأشارت إلى أن سلوكيات الطفل وفقاَ لهذا الرأي تتكون نتيجة محاكاة سلوك الأب والأم في تعاملهما مع الجد والجدة وبالتالي تترسخ تلك المعاملة في العقل الباطن لدى الطفل ومع مرور الأيام تبدأ بالظهور في تعامل الطفل مع والديه.
كما لفتت الكحلاني إلى أهمية الخمس السنوات الأولى من عمر الطفل وأنها الأساس القوي الذي تبنى عليه شخصية الابن أو الابنه في المراحل العمرية اللاحقة.
وأردفت قائلة: إذا كانت السلوكيات التي غرست في الطفل إيجابية فإنها ستبقى راسخة في شخصيته عند الكبر .
واختتمت الكحلاني  حديثها بالقول : الوالدان هم من ينقشون في أطفالهم ما شاءوا من سلوكيات البر أو العقوق أو بشكل عام السلوكيات السلبية أو الإيجابية ولا ننسى أن الهداية من الله.
وصاحبهما في معروف
بينما كان للدكتور: عزيز الدعيس رئيس قسم اللغة العربية / كلية التربية والآداب والعلوم /خولان / رأي مخالف فقال :الله عزوجل وضح هذه القضية في كتابه العزيز بقوله (وَقَضَى رَبُّكَ ألَّا تَعبُدوُا إلَّا إيَّاهُ وبالْوَالِدينِ إحسَانَا ) “الإسراء23″
فقرن تعالى عبوديته بالإحسان إلى الوالدين وبرهما ووجوب طاعتهما .
وأكد الدعيس بدوره  أن العقوق هو قل حب و وفاء من الأبناء ونكران لفضل والديهم ولا علاقة له بما يفعله الآباء لأن الله تعالى قال ( وَإنْ جَاَهَدَاكَ عَلَى أنْ تُشركَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطْعهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا )”لقمان15” بمعنى إذا أمراك بالكفر فلا تطعهما لأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لكن في نفس الوقت حافظ على الإحسان والرفق بهما في بقية تعاملاتك معهما.
قدوة حسنة
الشريعة الإسلامية أعطت لكل ذي حقٍ حقه فبينت حقوق الآباء على أبنائهم والعكس من غير إفراط ولا تفريط ومنعت العقوق سوءا من الآباء أو الأبناء فالكل مسؤول أمام الله عزوجل.
من جانبها قالت أم كمال الزبيري: أعتقد أن السبب الأول في العقوق هما الأب والأم فواجبهم غرس القيم والأخلاق الحسنة والرحمة والعطف في نفوس الأبناء وتربيتهم على طاعة الله ثم طاعة الوالدين وتوعيتهم بعقوبة العاق في الدنيا والآخرة وبهذا لن نعطي الصحبة والبيئة أثراً كبيراً في جعل أبنائنا عاقين.
واتفقت معها مها محمد فقالت: الوالدان هم السبب الرئيسي في العقوق ،فحين يتقبل الوالدان من أحد أبنائهم وليكن الطفل الأكبر مثلاً سلوكاً فيه نوع من العقوق فهذا يشجع بقية الأبناء على التقليد وربما التمادي أكثر ،
وأضافت: لا نغفل عن أثر التمييز بين الأبناء في سلوكهم فالمظلوم منهم ينفس عن ما بداخله من ضغوطات بالعقوق والتمرد لأنه برأيه لن يخسر شيئاً فالحب أصلاً لغيره.

قد يعجبك ايضا