مدن معطًرة !!
عبد الرحمن بجاش
المدينة بالأساس هي امرأة !! , والمرأة أشكال وألوان, هناك الجميلة شكلا, وهناك الجميلة روحا, وهناك من تكتفي بجمالها الطبيعي ويكون عطرها أيضا جزء من الطبيعة, وهناك من تكثر ألوان الماكياج على وجهها فلا تعد تراها !!, وهناك من تضع فقط على وجهها (( الُهُرد الأصفر )) فتظل ملكة الحسن طوال عمرها, هنالك المرأة التي تدري كيف تلبس , وهناك من تكدس الذهب على تفاصيل جسدها فتتحول إلى معرض متنافر الألوان وان كانت ذهبا !! .
هناك امرأة تدري كيف تختار ألوان فساتينها, وأخرى تتحول إلى صالون حلاقة في حي خلفي يجمع الألوان جميلها , وقبيحها !!, وهناك المرأة الاستثنائية التي لو لبست حتى (( شواله )) فتظهر أكثر أناقة, وتحٍول الشواله إلى واحد من ملابس الموضة !!، اما العطر فحكاية أخرى, هناك المرأة التي هي عطر من الأساس , فلا تحتاج إلى أن تشتريه من المعرض !!, وهناك المرأة التي تذهب إلى محل العطور فتعطره أولا بحضورها, فتدري بما لها من حاسة شم وتذوق أن تختار العطر المناسب, في مقابل امرأة تتعطر طوال الوقت بالجاز, أو مادة التينار !!! .
المدن كالنساء تماما, هناك مدينة أنيقة, وهناك أخرى جميلة, وهناك المدينة الزهرة, والمدينة الوردة , والمدينة التي تجذب الآخرين للاقتراب منها ومن حضنها!! .
هناك المدينة البشعة, أو البشاعة المركبة, هي ليست مدينة بل عبارة عن تكدس لمواد البناء, فتراها كالصحيفة التي لا يوجد لها مخرج هو فنان مهني بالأساس !!, بل أحدهم تاه في الطريق فصادف بابا مفتوحا , فدخل بدون أذن, ليجد نفسه في صحيفة بلا مُخرج , فتولى الإخراج غصبا عنه , وأي إخراج !!! .
في شارع الحي الرئيسي والذي أسكنه ثمة محل اسمه (( دموع الورد )) اسم جميل بلا شك, كلما مررت من أمامه اسأل الشاب الطيب الذي بداخله : ما هي دموع الورد؟ فلا يرد , وأعيد السؤال مرات, حتى قلت له آخر مرة : العطر دموع الورد, لكن مكونات المشهد في الشارع في واد آخر , وروائح شوارع مدننا تسبب الغثيان, برغم وجود معرض اسمه (( عبير الزهور )) داخله عالم جميل آخر , وخارجه شارع لا رائحة له .
قيل أن الحكومات الذكية تعمل ما استطاعت لأن تحول مدنها إلى مدن جاذبة, مدينة شنغهاي في الصين يسكنها حوالي الـ 100 مليون إنسان, لو شاهدت فجرا سيارة كبيرة في احد شوارعها تنفث من آلة تشبه المدفع العملاق ما يشبه الدخان فاعلم أنها تمر على الشوارع بمادة عطرية مخلوطة بمادة دسمه تظل عالقة في أجواء الشوارع, فتظل رائحتها عطرية لأيام قادمات !! .
ألم أقل لكم أن المدينة في الأخير هي امرأة بحاجة إلى رجل ذائقته عالية ليتعامل مع جمالها !!!.
لله الأمر من قبل ومن بعد .