السعودية تطمئن الكيان الصهيوني
على الرغم من أن وزير خارجية السعودية عادل الجبير قد شدد على أن دولته لن تنسق مع إسرائيل بشأن جزيرتي تيران وصنافير، اللتين أقرّت الحكومة المصرية بأنهما أراض سعودية، إلَّا أن كلامه لم يخل من رسائل طمأنة بعثها للجانب الصهيوني، حيث أكد الجبير التزام السعودية الكامل بكل الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر بشأن الجزيرتين، ومنها اتفاقية «كامب ديفيد» للسلام بين القاهرة وتل أبيب.
وبعيدًا عن التكهنات بأن هناك وساطة سعودية بشأن جزيرتي تيران وصنافير لصالح الكيان الصهيوني، الذي لم يظهر في الصورة لا من قريب ولا من بعيد، فإن لهذا التنازل تبعاته على مصر، فكلام الجبير في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية في القاهرة يحمل الكثير من الألغام.
حيث قال: «السعودية لن تتفاوض مع إسرائيل؛ لأن الالتزامات التي أقرتها مصر ستلتزم بها، بما فيها وضع القوات الدولية على الجزر»، وهذا الكلام يعني أن السعودية دخلت على الخط في اتفاقية كامب ديفيد، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
الجزيرتان جزء من «المنطقة ج» المحددة في معاهدة السلام، بحيث لا تتواجد فيها سوى الشرطة المدنية، كما أنهما تعتبران مكانًا لتواجد القوات الدولية لحفظ السلام، لكن هذا لا يعني أن مصر لا تمارس سيادتها على الجزيرتين، فقد سبق أن قدم الكيان الصهيوني طلبًا رسميًّا لمصر لتفكيك أجهزة لمراقبة الملاحة ركبتها مصر في المنطقة، وقوبل طلبها بالرفض.
ففي عام 2003م وضعت مصر أجهزة تجسس ورادار ومراقبة متطورة على الجزيرتين، الأمر الذي أثار احتجاج الكيان الصهيوني، الذي طالب بفكها وإخلاء الجزيرتين منها، بعد أن تبين أن تلك الأجهزة ترصد حركة البحرية الإسرائيلية بدقة شديدة، خاصة الغواصات والقطع البحرية النوعية الأخرى، وقتها رفضت مصر الاستجابة للمطالب الصهيونية، مؤكدة عدم تعارض ما تفعله مع اتفاقية السلام، وأن تركيب أجهزة الرادار والمراقبة المتطورة، جاء لحماية الأمن القومي المصري، والحفاظ على أمن الحدود، لكن بعد تنازل مصر للجزر للسعودية، فقدت مصر ذرائعها أمام الكيان الصهيوني، فالجزر الآن أصبحت سعودية، وبالتالي فقدت مصر الحجة التي كانت تستند عليها في مواجهتها مع الكيان الصهيوني، بأن الجزر تابعة للأمن القومي المصري؛ لأنها أصبحت تابعة للأمن القومي السعودي.
هذا الأمر الذي سيفرض معطيات جديدة على أرض الواقع، خاصة في ظل التقارب السعودي مع الكيان الصهيوني، بحجة أن هناك مصالح مشتركة تربطها مع العدو الإسرائيلي، على خلفية العداء الذي يجمع بين الرياض وتل أبيب لإيران، بعد نجاح الأخيرة في التوصل إلى اتفاق نووي مع الدول الكبرى، الأمر الذي تعارضه الرياض وتل أبيب، في الوقت ذاته تجاهر إسرائيل بأن علاقاتها مع دول عربية وإسلامية وصفتها بالسنّية يجب أن تخرج للعلن، التلميح الصهيوني بعلنية العلاقات يراه مراقبون بأن المملكة هي المقصودة به، خاصة بعد تسريبات إعلامية عن وجود لقاءات سرية جمعت بينهما سواء كانت في تل أبيب أو حتى في الرياض.
والسؤال الأهم في الجدل الدائر حول الجزيرتين: هل أن سيطرة السعودية عليهما في هذا التوقيت، جاءت لأن الرياض أصبحت قادرة على حمايتهما من العدو الإسرائيلي، عبر جيشها الذي لم يستطع حتى اللحظة حسم أموره في اليمن، أم لأن العلاقات السعودية الإسرائيلية وصلت إلى مراحل متقدمة من العلنية والودية، بالتالي لم يعد هناك ضرورة لحماية هذه الجزر من الأطماع الصهيونية، فالتطبيع السعودي الإسرائيلي كفيل بحمايتهما؟
وتنبع الأهمية الاستراتيجية لجزيرتي «تيران وصنافير»، من موقعيهما عند مدخل خليج العقبة، بين الجهة المصرية والسعودية، وتصنع الجزر ثلاث ممرات من خليج العقبة وإليه، الأول منها بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وأقرب إلى ساحل سيناء، وهو الأصلح للملاحة «عمقه 290 مترًا» واسمه ممر «إنتربرايز»، والثاني أيضًا بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، لكن أقرب إلى الجزيرة، وهو ممر جرافتون، وعمقه 73 مترًا فقط، في حين يقع الثالث بين جزيرتي تيران وصنافير، وعمقه 16 مترًا فقط، لهذا فالجزيرتان لهما أهمية كبيرة؛ لأنه يمكنهما غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة، وبالتالي إن هذه الجزر بمضيقها ممر الكيان الصهيوني الملاحي الوحيد على البحر الأحمر، بمعنى أصح أن من دون هذه الجزر الكيان الصهيوني ليس لديه أي منفذ ملاحي أو سياحي على البحر الأحمر.
ويرى محللون أن توقيت التنازل المصري يثير العديد من علامات الاستفهام، ففي الوقت الذي رفضت مصر تواجد الأتراك في قطاع غزة كشرط لأنقرة للتطبيع مع تل أبيب، تمنح القاهرة جزيرتي صنافير وتيران للسعودية، الحليف الاستراتيجي لتركيا، التي تسعى الرياض للتنسيق معه في العديد من المجالات، بما فيها العسكري.