العدوان على اليمن .. الأبعاد والتداعيات (4)

عبدالله عبدالرحمن الكبسي

على مستوى الأحزاب والمكونات السياسية
أشرنا فيما سبق إلى أن العدوان الجاري على اليمن منذ ما يزيد على عشرة أشهر، قد أحدث بعض الأصداء المتجاوبة على مستوى البعض القليل، من الأحزاب السياسية، ومعهم بعض محدود جداً من الشخصيات الاجتماعية من فئة المثقفين والأكاديميين ونحوهم، على تباين لا ينكر في مستوى الاندغام والتجاوب بين مكون وآخر، كما من شخص لآخر، وعلى حين – جمجمة – في وضوح المنطق ومستوى الإبانة عند البعض إلى اختلاط ومواربة في خلفية المحركات والبواعث لدى البعض الآخر مع الأسف الشديد.
ففي حين تجد البعض من الرموز والشخصيات المحسوبة على قوى – الحداثة والتقدم – ( يسار، ووسط، وقوميين)، لا يخفى موقفه المندد بالعدوان والمعارض له، إلا أنه في الوقت ذاته لا يكاد يكف، أو يتوقف عن إبداء الملاحظات والمآخذ على – المتصدين – للعدوان من أبناء الجيش واللجان الشعبية، وتخصيص هؤلاء تحديداً بالقسط الأوفر من تلكم المآخذ والاعتراضات، معتلاً لذلك بما لا يكاد يضبطه حدٌ من المبررات، أو يظفر منه بطائل أي طائل ذا مغزى، اللهم إلا ما – تحسه – في ثنايا الكلام، وأقول: تحسه ولا تسمعه جهاراً، من كونه إنما ينطلق في موقفه الموارب من (خلفية مذهبية، وترسبات عنصرية عتيقة، لم تتجاوزها السنون، ولا غيرتها الغِيَرُ والأحداث).
أقول: إنه حين تعثرك المصادفات على نماذج من هذا الطراز، فإنك لا تعدم أن تجد – فريقاً آخر – أكثر مشابهة لسابقه، ولكنه في الحقيقة أكثر عديداً، ومن مستويات شتى – ثقافة وفهماً – ومع أن الكثير من هؤلاء لا ينقصهم الإدراك لأبعاد العدوان ومخاطره، إلا أنهم برغم ذلك لا يتحرجون في إلقاء المسؤولية عن آثام العدوان وجرائره الفظيعة على – الجيش واللجان الشعبية – أو جزء من المسؤولية على الأقل، منطلقين في هذا الموقف العجيب من خلفية – طائفية مناطقية – لا يخطئها الفهم وبخاصة عندما يبلغ الحجاج حد اللَّجاج والمكابرة فيقول لك أنموذجهم: ما نزل بهم إلى تعز؟ ما شلهم رداع والبيضاء؟ ما شأنهم بعدن ولحج، وهكذا تظل (ما) الاستفهامية دائرة بخفة على لسان صاحبنا أقصى ما تستطيع استيعابه من تساؤلاته الفارغة، وحجاجه الأجوف، ناسيا جنابه أو متناسيا بأن:
كل من (عدن، ولحج والضالع وتعز وإب والبيضاء) هي جزء لا يتجزأ من الجمهورية اليمنية، وأن البعض منها وتحديداً، أبين والبيضاء، قد كانت بمثابة بيئة خصبة لتفريخ عناصر القاعدة، ومسرحاً لعملياتهم الإجرامية التي بلغت في وقت من الأوقات ذروة غير مسبوقة من الوحشية والخبث، والاستهتار المفرط بالدماء والأرواح كتفجير البيوت، وحرق المتاجر، وقتل من لا يروق لهم موقفه من ممارساتهم المروعة، أكانوا من المواطنين العزل أو بالأحرى غير المعارضين لهم بالسلاح، أو من أفراد الجيش والشرطة وحرق جثامينهم برش البنزين عليها بعد القتل، وصولاً في تعاظم ملحوظ الحقد والانحطاط القيمي والأخلاقي لدى هؤلاء المسخ الآدمي المشوه إلى استهداف، أطفال المدارس وتفجير حافلاته على الطرقات، وفي إطار ملحوظ عنصري، وإبادة عرقية تعرضت لها أسرٌ بعينها في مدينة رداع، كما قد عُرف واشتهر لدى الجميع قبل وصول مجاهدي أنصار الله إلى المنطقة آنذاك، وهذا كله من جهة.
ومن أخرى: فلعله يحسن بنا الآن أن نسأل هؤلاء المصابين بهذه الحساسية المفرطة وغير المبررة تجاه إخوانهم من أبناء الوطن فنقول: أليس هؤلاء هم الذين حملوا على عواتقهم بطيب خاطر وسماحة نفس منقطعة النظير مهمة الدفاع عن مناطقكم من تغلغل عناصر، القاعدة والدواعش، عبرها وتأمين مواطنيها الطيبين البسطاء من خطر هؤلاء القتلة المشوهين على حياتهم وسكينتهم؟.
ثم: ألم يكن أولئك المجاهدون العظماء هم أنفسهم الذين قبلوا مرحبين بمقترح أعيانكم ومشائخكم بالخروج من محافظة تعز في نظير اضطلاعهم إلى جانب السلطات المحلية هناك بمسؤولية الحفاظ على أمن المنطقة والتصدي لعناصر الشر والإجرام من أن يتمددوا في ربوعها فماذا كانت النتيجة أيها المتحسسون؟ وهل يتحتم علينا أن نظل نذكركم على الدوام بالمذبحة المروعة التي تعرض لها بعض مواطنيكم الشرفاء من آل الرميمة كباراً وصغاراً ذكوراً وإناثاً والوحشية الصربية التي أخضعوا لها عنوة وحتى تتخففوا من ثقل تلكم الحساسية المؤذية للضمير والمرهقة للشعور والأعصاب؟
وأخيراً: فها هي قوى العدوان الهمجي الاستكباري وجحافله من العملاء والمرتزقة تستهدف سيادة اليمن وكرامة الوطن وتتزاحف نحو شواطئ المحافظة وموانيها عبر أطراف أراضيها فهل يستحق الوطن اليمن بعض حساسيتكم يا ترى؟؟؟
نعم: هذان إذن فريقان متشابهان تلامعت فيهما ومن خلالهما قليلاً أو كثيراً ردات فعل باهتة إزاء العدوان وعلى النحو الذي يمكن القول معه: بأنهما تشابها في اللب والخلاصة وتباعدا في الأسباب والبواعث.
أما: ما عداهما ممن شملهم الرصد وتغيَّتهم الكلمات رؤية وموقفا فيتمثلون في أصحاب العبارة الوقحة الغبية والمضمون الخياني الفاجر شكرا سلمان ويأتي على رأس هؤلاء وفي المقدمة منهم كما هو معلوم للجميع حزب تجمع الإصلاح بكل فئاته ومكوناته النوعية العلمائية والسياسية والمشائخية مع شديد الأسف وبالغ الحزن نقولها هنا بإخلاص ولأسبابنا الخاصة جداً كما سيأتي توضيحه والإشارة إليه لاحقا فضلا عما هو عام ومشترك بين عامة أهل الصلاة من عباد الله المروعين بموقف هذا الحزب وسلوكه المذهل بل المشين واللاأخلاقي بالمرة في حق اليمن وأبنائه المكلومين المصدومين.
فما سر هذا الموقف الخطير والمذهل يا ترى وهل يمكن اعتباره مؤشراً على تحول جذري مستجد في فكر الحزب وطارئ عليه؟ أم تراه أصيلاً فيه ومنسجما من ثم مع منطلقاته الأساس وفلسفته العامة الشرعية والسياسة فهو معبر عنها.
قبل الدخول في المناقشة لا بد من التنبيه هنا بأن هذا السؤال الكبير والخطير معا إنما يستمد مبرره وأحقيته بالطرح هنا من كون حزب الإصلاح بجذره الإخواني هو حزب ديني دعوي يتغيا: كما في أدبياته المعروفة إصلاح المجتمع وتثقيفه بأمور دينه وأن يُحكم بشرع الله.. وغني عن القول أن تأييده للعدوان الغاشم الذي استهدف ولا يزال يستهدف النفس والمال وهي من الكليات الأساسية للدين التي جاءت الشرائع السماوية لحياطتها والمحافظة عليها يجعله فكراً وممارسة في معرض السؤال الكبير وهذا من جهة.
ومن جهة ثانية فإنه لما كان السؤال إياه بهذا الخطر والأهمية فإن الإجابة عليه بتوسع ربما أحوجنا إلى بحث مستقل برأسه وعلى النحو الذي يضيق المقام هنا عن تفاصيله بيد أننا بعون الله وحوله سنحاول التعرف على ملامح إجابة ذلك السؤال وإلهامها عبر ما سنعرض له لاحقا من مجريات الأحداث الساخنة في البلاد قبل العدوان وبعده وموقف الحزب الإصلاح منها وفي إطارها فنقول ومن الله التوفيق:
لقد أثبتت الأحداث الجسام التي مرت وتمر بها البلاد على مدى السنوات القليلة الماضية بتمخضاتها المزلزلة وتداعياتها التي اكتسحت الساحة اليمنية وسبقت في بعض تجلياتها توقعات المُحْتسب أن ثمة من المفارقات الضخمة والكاشفة على نحو مذهل قد ميزت أداء حزب الإصلاح واستقطبت إليه الكثير من الأسئلة وعلامات التعجب والاستفهام المستحقة من قدرته المدهشة على اصطناع المواقف التكتيكية المدلسة طبقا لطبيعة الظرف السياسي القائم وتعلقاته الاضطرارية من طبيعة ملحوظ الحزب وحساباته النفعية المختلفة وعلى شتى المستويات.
ومن ذلك مثلا: أنه كان من أول المبادرين إلى تبني حركة الشباب الثائر في ثورة “فبراير 2011م” والعمل الحثيث على حشد عناصره من الشباب ودفعهم سريعا إلى التموضع في ساحة التغيير وفرض هيمنتهم الناعمة عليها.
ومن هنا ومع وجوب التذكير: بأن الساحة إياها قد غُصت بالملتحقين المرابطين من شتى الأطياف والمكونات السياسية والنقابية المختلفة وبضمنهم ومن أهمهم حضوراً وفاعلية على خارطة الساحة آنذاك مكون أنصار الله الذي كان حتى تلكم الآونة في حالة اشتباك ساخن سياسي وإعلامي وعسكري مع حزب الإصلاح كما هو معروف.
نقول: إنه ومع عدم إغفال هذه الخلفية المفيدة لجهة التحليل والاستنتاج فقد التقى الجميع آنذاك على أرضية الساحة برمزيتها السياسية الثورية التي أخفتت نبرة الاختلاف ونحت أسبابه جانبا لصالح أولوياتها الجامعة لأبعاضهم في نطاقها.
وإذا كان من البديهي في ظل هذه الأولوية أن تخفت نبرة العداء والاستعداء من قبل الماكينة الإعلامية لحزب الإصلاح المتفردة بالساحة إلى حد كبير آنذاك فإن من اللافت على هذا الصعيد بصورة خاصة هو: أن هذا الحزب بسياسته البراغماتية المعهودة وفي خطوة تالية أكثر أهمية وتجاوزاً قد فاجأ الساحة اليمنية وضمن بيان متلفز لقائد جناحه العسكري علي محسن الحاج صرح فيه آنذاك وفيما يشبه الاعتذار لأنصار الله عن دوره السيئ في الحروب الست التي شنتها السلطة على محافظة صعدة وكان محسن عبر فرقته الأولى مدرع هو رأس الحربة في تلك الحروب الظالمة ومتولي كبرها قائلاً:
إنه يقدس في ضميره كل فكر حر يقاوم الظلم ويدعو إلى مناهضته أو ما هذا معناه.
وغني عن البيان أن هذا الكلام بلسان الرجل قد جاء في سياق المحافظة على تماسك المكونات المرابطة في ساحة التغيير والإبقاء على حلفها الضمني سليماً من التصدع والاهتزاز ولاسيما مع مكون أنصار الله الذي أعرب عن تحفظه الشديد إزاء انضمام علي محسن بفرقته المدرعة إلى الثورة واضطلاعه آنذاك بمهمة تأمين الساحة وحمايتها.
الأمر الذي يمكن القول معه الآن: بأن ذلك التصريح إياه قد قوبل لدى الكثير من الطيبين في الساحة العريضة بقدر غير يسير من الإرتياح المقترن في الذهنية الشعبية النقية والصافية تماما من شوائب الإنتهازية السياسية وأخلاقياتها المدلسة بإمكانية طي صفحة العداء والتطاحن بين مكونين مهمين وانتقالهما من ثم مع سائر المكونات الفاعلة في الساحة اليمنية إلى مرحلة جديدة من التعايش القائمة في أقل الممكنات تصوراً على مبدأ التنافس الشريف في إطار حقوق المواطنة المتساوية إن ضاقت الصدور والأذهان عن ثوابت المشتركات الأخرى المتسعة حتما وإلى أكثر من حد جامع.
إننا عند ما نقول هذا الكلام الآن ونستعيد من خلاله جزئية مهمة من تجليات المشهد السياسي في جانبه المضلل حينذاك فلمجرد الإشارة الضرورية إلى كون منطلق التحليل المتفائل على ما بان لاحقا من سذاجته المتناهية إنما بني في الحقيقة على يقين راسخ لجهة صدق النوايا وصفائها من جانب قيادة أنصار الله التي طالما قامت الشواهد المؤكدة عليها سابقاً ولاحقاً وإن ذلك كله ربما كان مبرراً لتقارب الطرف الآخر واجتذابه إلى ما لا غنى له عنه من الاعتراف بالآخر المختلف والتعايش معه ولكن:
نعم ولكن نقولها والله كأوفى وأخصر ما يمكن استعماله من أدوات اللغة التي طالما صدمت المضطرين لممارستها وتجسمت لهم فيها وعبر ملحوظها الاستثنائي شتى معاني الخيبة والأسف وإنا مع ذلك لا نفتأ نستحضرها ونرتاد مرا فيها المختلفة ما بين الحين والآخر راغمين مضطرين فنقول:

قد يعجبك ايضا