أبناء عدن يتحدثون لـ”الثورة”:

قناتا العربية والحدث.. خنجر مغروس في خاصرة الحقيقة

عدن/ عبدالعزيز شمسان

الكثير من الإمكانات المادية والفنية، سخرت لقناة العربية مع مرادفتها الحدث، لخدمة مشروع العدوان السعودي على اليمن.
إن واقع الحال بالنسبة للإعلام الموجه، بمخالبه القذرة، المنطلق من مفاهيم مجردة من كل القواعد الأخلاقية، ولا يتحفظ على شيء، حتى وإن لحقت بالناس الكوارث؛ لا يهم طالما وأن الهدف هو تجريد الوعي من مناعته في الطريق إلى استلابه بالكامل.
قصص تحكي تفاصيل ينضح كل جزء فيها بالمرارة والشكوى، وقفت عليها (الثورة) وهي ترصد في الحالات التي وقعت فريسة للكذب والتضليل الإعلامي الذي مارسته عليها قناتا العربية والحدث.
وكانت لتكون كثيرة لو لم يحجم كثيرون عن الحديث لاعتبارات خاصة وأمنية ومعيشية، لنخلص في الأخير إلى أربعة منها وفيها ما يفيض عن الحاجة.. وهاكم الحصيلة:

في البداية تحدث الأخ (س، أ)، يعمل مهندس شبكات في إحدى الشركات بالمملكة العربية السعودية، قائلاً: كنت في البدء حريصاً على متابعة ما تعرضه قناتا العربية والحدث من أخبار وأحداث ومعلومات حول الوضع في اليمن ولكني مع الوقت اكتشفت أن الكثير مما تعرضه هاتان القناتان غير حقيقي على أرض الواقع.. وما نحتاجه الكثير من المصداقية, وربما ساعدني في الوصول إلى هذه القناعة أني أتمنى أن تنعم بلادي بالسلام والأمن والازدهار، فأجد أن هاتين القناتين لا تمثلان الحقيقة في شيء بقدر ما تمثلان الخنجر المغروس في خاصرة الحقيقة.

الحقيقة وتفاصيلها
وأضاف: تفرض عليَّ ظروفي في السعودية أن أتابعها لأني أعيش في سكن مشترك مع كثير من اليمنيين هناك وأجد أن هاتين القناتين قد ضللتهم حتى أنها سلبت منهم أذهانهم والمصيبة أنهم يدركون هذا الشيء ولكنهم لا يتصرفون إزاءه بإيجابية أو أن الخوف يحول دونهم ودون ذلك، الخوف من مواجهة الحقيقة بكل خلفياتها وتفاصيلها.
واختتم: لقد وقعت ضحية لفترة طويلة من الوقت، تعرضت فيها من دون إدراك إلى غسيل دماغ بواسطة العربية والحدث، فرغتني من كثير من قناعاتي وفصلتني عن ذاتي وعن الاتصال بالواقع، وأنا الآن في طور التعافي من تأثيرها عليّ وعلى إدراكي، خاصة وأن القناتين كانتا ومازالتا تعملان على تزييف وعي الناس، في سعي دؤوب ومحموم لاستقطاب هذا الوعي وتدجينه.

متابعة التطورات
أما الدكتور (ج. م)، يعمل طبيباً في إحدى المستشفيات الخاصة في السعودية.. عاد إلى عدن للاطمئنان على والدته تحدث إلينا قائلاً: تدركون جيداً أن الناس في تفاصيل الصراعات والأزمات التي تعيشها تنشغل بمتابعة التلفزيون لمتابعة التطورات التي تعصف ببلادها خاصة المغترب الذي يكون أكثر توقا ولهفة في متابعة كل ما يتصل بشأن وطنه الأم.
وأضاف: كنت أعكف على متابعة الأخبار أحيانا لأكثر من سبع ساعات يومياً بصورة أثرت على أدائي الوظيفي، وكنت أدرك ذلك ولكني كنت مدفوعاً بالخوف على والدتي التي تقيم في عدن خاصة وأني أسمع بالمعارك وهي تحتدم هناك.
واستطرد: عندما توقف استهداف عدن بدأت أعود إلى مزاولة وظيفتي بصورة طبيعية خصوصا وأنني كنت من الحريصين على متابعة قناتي العربية والحدث اللتين اتخذتهما نافذة أطل من خلالهما على معرفة حقيقة الوضع في اليمن عموماً وفي عدن على وجه الخصوص، وكانت القناتان تتحدثان عن الأمن الذي يعود رويداً رويداً إلى مدينة عدن وصولاً إلى تبني القناتين لأخبار تفيد باستقرار الوضع الأمني هناك، وهكذا خلصت إلى ضرورة أن نسافر إلى عدن للاطمئنان على والدتي.

واقع مغاير
وأردف: بالفعل سافرت إلى عدن، واطمأننت على والدتي ولكني اصطدمت بواقع مغاير لما تحدثت عنه القناتان، واقع مسكون بالرعب والخوف من كل شيء مع وجود القوات الغازية، اصطدمت بصور المليشيا والعناصر المدنية المسلحة المنتشرة في كل شوارع وأزقة المدينة بدعم ومساندة قوات العدوان الأمريكي السعودي الغازي، اصطدمت بحجم الدمار الذي لحق بهذه المدينة، انصدمت بسماع أصوات إطلاق النار هنا وهناك وبالتفجيرات المنفلتة بالفوضى التي تتعدد بطول المدينة وعرضها.
واختتم: بصراحة ما يجري في العاصمة التجارية والاقتصادية عدن لم يأت من فراغ أو عن طريق الصدفة، بل جاء نتيجة غياب رجال الجيش وهيبة الدولة ودخول قوات العدوان والغازي، هذا الغياب الذي كان له الدور الكامل والمطلق لحضور الفوضى إلى هذه المدينة المسالمة.

الاستعداد للسفر
في مديرية التواهي التقينا برجل الأعمال (أبومحمد)، الذي لخص تجربة سماعه ومشاهدته قناتي العربية والحدث، بالقول: عندما شنت قوات تحالف العدوان الأمريكي السعودي عدوانها على اليمن ابتداء من عدن تشتت اهتمامي في كل اتجاه، من الخوف على مصير أسرتي ومصيري، إلى الخوف على منزلي، إلى الخوف على تجارتي، ومما سبب أكثر في التشويش عليّ وقتها هو أن المنزل كان يقع في مكان وتجارتي في مكان آخر، وكلا الموقعين كانا ساحة حرب حقيقية.
وأضاف: حُصرت وأسرتي في ثلاث خيارات، إما البقاء في المدينة وانتظار المجهول، وإما النزوح عنها بحراً باتجاه جيبوتي وهذا الخيار كان ينطوي على الكثير من المخاطرة، وإما اللجوء براً إلى السعودية ووقع اختياري على الثالث، وهكذا أخذت أصرف العمال لأفرغ إلى مهمة الاستعداد للسفر الذي لم يأخذ مني أكثر من يومين، لأجدني وأسرتي نعبر من الوديعة باتجاه السعودية.
واستطرد: بعد أن أمنت على أسرتي ونفسي هناك، استبدني القلق على مصير المنزل في عدن ومصير تجارتي هناك خصوصاً وأن الاتصالات مع عدن كانت متعذرة ودونها صعوبات كثيرة ليس أقلها أن الحيين يقعان فيهما منزلي وتجارتي, وقد نزح عنهما السكان بالكامل وبالتالي وجدت صعوبة في الوقوف على المصدر القادر على إمدادي بالمعلومات المطمئنة.

تطمين الناس
وأضاف: هكذا أصبحت رهيناً في محبس التلفزيون أتابع قنواته الإخبارية حتى استطيع استجلاء حقيقة الأوضاع والتطورات في عدن، وقد تركز اهتمامي بالأخبار على ما يخص مدينة عدن تحديداً واعتمدت لذلك على قناة الحدث التي كانت أكثر القنوات اهتماماً بتغطية أخبار العدوان على اليمن وفي عدن بشكل مكثف عن غيرها، واستمرت متابعتي لقناة الحدث وتتبعي لتغطيتها أخبار العدوان على اليمن، حتى خروج الجيش واللجان الشعبية من عدن واحتلال قوات تحالف العدوان الأمريكي السعودي لعدن، فأخذت القناة تسرف في تطمين الناس والحديث عن الهدوء والاستقرار والسكينة التي أصبحت تنعم بها مدينة عدن، وعليه قررت العودة برفقة أسرتي إلى منزلي وتجارتي.
وأردف: اتضح لي لاحقاً أن ركوني على قناة الحدث واعتمادي عليها اعتماداً كلياً لم يكن موفقاً، بالرغم أنه كان بمقدوري أخذ احتياطات أمنية تؤمن منزلي وتجارتي بالاعتماد على معارفي في عدن ممن عادوا من نزوحهم، ولكني اعتمدت على أخبار الحدث وتأكيدها على سلامة الوضع الأمني في المدينة، وصرفت النظر عن مخاوفي, خصوصاً بعد أن ركنت أيضاً إلى أن استهداف عدن قد انتهى وأقنعت نفسي بالسلامة قلت: ما لم ينل منه العدوان أحرى أن لا ينال منه السلم، وكان العكس تماماً فالمنزل سرق والتجارة نهبت.
واختتم أبو محمد حديثه بالقول: لم أكن أطلب من قناة الحدث أن تؤمن تجارتي ومنزلي، بل أن تمدني بالحقيقة حتى أتدبر حالي وأستعد لأسوأ الاحتمالات عوضاً عن إرسال رسائل مطمئنة، إن السمة البارزة فيها هي الضحك على الناس.. وها أنا ذا كما تراني خالي العمل، إلا من أوراق أجرها سعياً لاسترداد حقوقي، وأخشى ألا أطول غير التعب وقد شاهدت من كل مسؤول لامبالاة بما تعرض له الناس إلى الحد الذي يتسرب فيه اليأس ويستقر في النفس.
النزوح إلى جيبوتي
بدورها تحدث الأخت (ن. م)، رئيس قسم التمريض في إحدى المستشفيات الخاصة في عدن، بإسهاب شديد قائلة: للأسف الشديد المستشفى التي أعمل فيها قصفت من قبل طائرات قوات تحالف العدوان الأمريكي السعودي، خسرت مصدر رزقي، كما خسرت ابنتي أيضا مصدر رزقها والتي كانت تعمل في إحدى الشركات الأجنبية في عدن التي صفت أعمالها قبيل اشتداد عمليات العدوان، وأصبحنا نعتمد في معيشتنا على مدخراتنا.
وأضافت: طال استهداف العدوان الحي الذي نقطنه، ولم أجد وابنتي سوى الهروب بقارب إلى جيبوتي وكانت رحلة محفوفة بالتعب وعظيم الخطر، حتى وصلنا هناك وليتنا لم نصل فالموت كان أهون من الحياة في تلك البقعة الجرداء من الأرض والامتهان الذي تعرضنا له هناك، حتى أخذت المنظمات والوفود الدولية المعنية بقضية اللاجئين وحقوق الإنسان تفد علينا لتوثيق الحالات الموجودة.
واستطردت: بعد أيام قليلة أخبرتنا إحدى المنظمات عن قبول طلب اللجوء وطلبوا مني وابنتي بضرورة السفر للقاهرة ومنها سيتم ترتيب مغادرتنا إلى أوروبا، وبالفعل جرى ترتيب كل شيء من دون أن يتبع ذلك نفقات وتكاليف مالية تخص المعاملة وهو ما أشاع في نفسي وابنتي حالة الشعور بالطمأنينة.
وأضافت: كنا وقتها قد اختلطنا باليمنيين في القاهرة وأخدنا نتابع معهم آخر الأخبار عن عدن وكانت الصلة بيننا وبين الأخبار هما قناتا العربية والحدث، فما تقصه الأولى من الأخبار تمده الثانية والعكس.
واختتمت قائلة: في تلك الأثناء وصلنا خبر موافقة منحنا الفيزا للسفر إلى أوروبا وبدأت المسألة تأخذ سباقاً أكثر جدية وبدأت المخاوف والتساؤلات عندي وابنتي تطفوا على السطح، حتى نقلت قناة الحدث خبر عودة الأمن والاستقرار وعودة السلام إلى مدينة عدن، وجدنا في الخبر فرصة لدراسة موضوع اللجوء، حتى قررنا في نهاية المطاف العودة إلى عدن، وليتنا لم نعد! لأني خسرت كل شيء، حتى منزلي هناك جرى البسط عليه ومازلت أتابع منذ أشهر لاسترداده وكل ما خلصت عليه هو مجرد وعود بذلك.
واستدركت: عندما حسمنا قرار العودة كانت وجه سفرنا إلى صنعاء ومنها سننتقل إلى عدن، ولكن في صنعاء ماذا وجدت؟!.. كل شيء فيها يدل على الأمن والاستقرار والناس بمختلف مشاربهم متعايشون والمعلم البارز هو الدمار الذي خلفته قوى التحالف الأمريكي السعودي الشيطانية من تدمير للبنية التحتية ومنازل المواطنين والمصانع وغيرها من الممتلكات الخاصة والعامة، بعكس ما شاهدته في عدن من غياب كامل ومطلق للأمن وانتشار لعناصر القاعدة في كل أزقة وشوارع المحافظة وغيرها من السلبيات التي جعلت عدن بين فكي كماشة.. باختصار إن سبب فشل حكومة بحاح ودول تحالف الشر وفي مقدمتها أمريكا والسعودية والإمارات دليل واضح على عدم قدرتهم لإعادة الأمن والاستقرار لعدن.

تحفظات ومخاوف
كان يمكن لهذه المادة الصحافية أن تخرج بشكل أكثر توسعاً لولا أن مساحة الحركة أمامي كانت محدودة للغاية، وبالكاد استطعت أن أخرج بهذه المحصلة.
تحفظات الناس في محافظة عدن لا حدود لها، ولها أبعادها ومحدداتها وبينها ما هو خاص وما هو أمني وما يرتبط بالخوف على مصادر الرزق، سيما وأن أكثرهم ممن يعمل في السعودية أو له أقارب هناك.
تحفظات ومخاوف يجليها سؤالهم الدائم عن هويتي الصحفية، والخوف غير المبرر من أن أعمد إلى نشر أسمائهم الحقيقية مع أني لا أعرف أحداً منهم!.. في المحصلة كانت تضيق في عيني مساحة الحركة كلما رمقتني عين من بعيد. أو قريب، حتى تمكن مني الخوف فأحجمت عن تصوير لقطات كان يمكن أن تكون ذات قيمة صحفية حقيقة تستطيع أن تقدم وأن تشرح حقيقة الوضع الأمني المهترئ في عدن، حتى قررت أن أنفذ إلى عقلي وأن أقنع من الغنيمة بالسلامة، على أن أحيلها إلى مهمة أخرى تخصها وحدها دون غيرها.

قد يعجبك ايضا