> بعض التفاصيل النازفة
الثورة / محمد غبسي
باشرت طائرات الموت السعودية عملها في مدينة يريم بارتكاب مجزرة بشعة بحق أم تحتضن أطفالها الخمسة وعدد آخر من المارة وأصحاب المحلات التجارية عندما استهدفت قاطرة غاز في الشارع الرئيسي باب الضورين .
لكنها ارتكبت مجزرة أكثر بشاعة ووحشية بعد فترة ليست بالكبيرة عندما استهدفت حياً سكنياً في حارة الكمب راح ضحيتها 18 شهيداً معظمهم نساء وأطفال.
في تلك الغارة قضي على أسرتين كاملتين ” محمد سعد النزهي ، رشاد محمد سعد النزهي ، سعد محمد سعد النزهي ،زوجة محمد سعد النزهي ، شداد سعد النزهي ، مريم شداد سعد النزهي ، سوسن شداد النزهي ، معين شداد النزهي ، هاني عبدالله العنسي ” ، كما استشهد إلى جانبهم عدد من السكان في نفس الغارة التي دكت عشرات المنازل وأنزلتها تحت سطح الأرض.
المدينة العتيقة التي حظيت بنصيب الأسد من تاريخ اليمن حضارة وتراثاً وشموخاً لا تنكرها إلا مخيمات الصحراء القاحلة ، مدينة الثمانين سداً ، وأرض مملكة حمير ومركز حكمها ، مدينة ظفار التي بسطت جبالها فوق جبال ، وناطحت بتاريخها ورجالها الحقيقة والخيال .
إنها مدينة يريم التي أخذت حصتها كاملة من الحقد السعودي الذي طال كل مدن اليمن وقراه التي أصغرها أكبر مساحة وتاريخاً و حضارة من دويلات ومخيمات ما يسمى ب ” دول الخليج ” استهدفت طائرات حقدهم أحياءاً سكنية وحصوناً تاريخية ومنازل مواطنين عدد الشهداء في مدينة يريم وضواحيها كبير جداً والحالات موثقة ومتداولة في وسائل الإعلام ، إلا أن بعض التفاصيل الإنسانية لم تلتقطها الكاميرات ولا الأقلام بعدما اقترفها الغاشم بآلته الحربية العمياء التي لا تفرق بين الطفل والمقاتل ، ولا بين المعسكر والحي السكني ، القصص مؤلمة جداً ربما لم تجرؤ سينما الأكشن والرعب العالمية على, تمثيل مشاهد مشابهة لها .
قبل أسابيع من استشهاد زوجها وأولادها كانت أسرة ” م .
قحطان ” قد استأجرت منزلاً وسط المدينة تاركة منزلهم الذي يقع على مقربة من مقر اللواء 55 ، وبسبب أزمة الغاز التي تعاظمت بسبب الحصار أجبرت هذه الزوجة والأم على أن تذهب كل يوم إلى منزل والدها لصناعة الخبز والغداء والعودة به إلى عش زوجها وصغارها.
لكن القصة لم تنته عند نقل الأسرة وتدبر صناعة الخبز في منزل والدها..فقد جاء اليوم الذي خرجت من المنزل ومعها العجينة التي لن تصبح خبزاً دقائق من مغادرة منزلها وقبل أن تصل بيت والدها بخطوات سمعت صوت الانفجار ، التفتت لترى منزلها يغوص تحت الأنقاض ،ألقيت العجين عادت مسرعة لكنها لم تجد سوى بعض الأشلاء لزوجها وأبنائها ، لم تدرك بأن ابنها الذي رفضت أخذه معها إلى منزل والدها خوفاً من أن ” تضربه الشمس ” في الطريق كانت تنتظره هو و بقية الأسرة ضربة حقد سعودية لا تبقي ولا تذر .
في تفصيل آخر للوجع كان كمال علي غالب عائداً من المستشفى بمعية ولديه وزوجته الذين تفاجأوا بسقوطه على الأرض وقد فقد ثلثي رأسه بفعل شظية من أحد الصواريخ التي أسقطتها طائرات التحالف الحيواني على احدى الحارات المجاورة للواء 55 الأب.
وفي غارة أخرى استهدفت هنجراً تابعاً لاحدى مزارع الدجاج جوار ملعب نادي يحصب انتهى مشوار حسين علي أحمد الوليد الذي كان ماراً فوق دراجة نارية ليسقط هو وسائق الدراجة على بعد ثلاثمائة متر من منزله ، ليأتي دور محمد ناصر البيهسي الذي حاول القيام بمهمة إنسانية محاولاً انتشالهما لأقرب مستشفى لكن صاروخاً آخراً جاء ليمنعه من ذلك ليسقط هو الآخر شهيداً أمام منزله أيضاً .
هذه القصص جزء ضئيل من معاناة مدينة واحدة ، ولا أعتقد بأن الإنسانية جمعا يستطيع أن تنظر الى الصورة إذا ما جمعنا كل أجزائها من مدن وقرى اليمن الذي يقتل أبناؤه كل يوم بطائرات تحالف الحقد ، لا أحد يستطيع أن يقص الحكاية كاملة لما فيها من الوحشية والتكبر والغرور والاستقواء وشهوة القتل والتدمير ، كما لا يقوى أحد على قراءة الحكاية التي لطخت تفاصيلها بالدماء ، و كتبت حروفها بالأشلاء ، و صارت كل كلماتها جثثاً تستعصي على العدو والحسبان .