الثورة نت/ عادل العصار
قبل بدء العاصفة كانت دهاليز ومطابخ السياسة السعودية تكتظ بالكثير من العواصف والمؤامرات على اليمن واليمنيين، وكان للعدوان سيناريوهات وملفات مكتملة الفصول والتفاصيل..
قبل إعلان الحرب كان الجوار المتخم بالمؤامرات قد انتهى من خوض الكثير من المعارك على المستوى السياسي والعسكري ويعول على أدواته في اليمن توجيه الضربة القاضية وإغلاق ملف اليمن الدولة والكيان السياسي وإدخال اليمنيين في أتون من الصراعات التي لا تنتهي وحروب أهلية مناطقية ومذهبية تدمر الوحدة الوطنية وتجزئ الهوية والخارطة والوطن ..
وقبل أن تعلن جارة السوء ميلاد عاصفة العدوان على الشعب اليمني في 26 مارس 2015م كانت العديد من التواريخ قد شهدت ميلاد الكثير من المواليد غير الشرعيين والذين وإن كانت تجتهد وتحرص على إخفاء وإنكار علاقتها بهم أمام العالم إلا أنها ظلت حضنا دافئا يأويهم ويغذيهم ويرعاهم ويمولهم ويدافع عنهم ويوجههم أين ماشاء وكيف ماشاء، وليس أكثر من أن نتوقف قليلا لقراءة تاريخ التدخلات السعودية في اليمن لندرك أن المملكة المستحدثة كيانا ودولة في قلب الجزيرة العربية نجحت في الافلات من القيود التي كانت قد كبلتها بها معاهدة الطائف الموقعة عقب الحرب اليمنية السعودية الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي وتمكنت عقب ثورة سبتمبر 1962م من إحياء مشاريعها التوسعية والتوغل في عمق السياسة والمجتمع اليمني واستثمار الصراع السياسي لترجمة وتجسيد أهدافها ومشاريعها التوسعية ومنح نفسها المشروعية في التدخل المباشر في الشؤون اليمنية بشكل عام..
ثمان سنوات من الحرب والصراع عقب قيام ثورة سبتمبر عام 1962م كانت كافية لأن ينجح الجار المتربص باليمن شرا في صناعة ادواته وعملائه ومرتزقته الذين يدينون له بالولاء ويجتهدون ويتنافسون في خدمته وتنفيذ اجنداته وسياساته التي ظل من خلالها يخوض حربا صامتة ضد اليمن واليمنيين.. تمكنت السعودية -من خلال أدواتها وأياديها- من صناعة دولة داخل الدولة ومصادرة الإرادة اليمنية والتدخل في صناعة القرار السياسي ورسم التوجهات السياسية والاقتصادية التي حرصت على أن تظل تحمل اليمن واليمنيين المزيد من الاعباء وتحول دون ولادة مشروع سياسي ينهض باليمن سياسيا واقتصاديا وثقافيا..
قد تكون السعودية من خلال إعلانها شن الحرب على اليمن فيما اسمته بعاصفة الحزم في 26 مارس 2015م سعت لتقمص دور الفارس النبيل المدافع عن الحق والفضيلة والمنتصر لارادة الضعفاء لكن هذا الدور الذي لايليق بمثلها سياسيا وتاريخيا وثقافيا تقمصه ليس اكثر من قناع زيف وتضليل يخفي حقيقتها وبشاعة سياساتها وقبح وجهها الذي تحولت السياسات الدولية أمامه الى مساحيق تجميل تشتريها السعودية بمليارات الدولارات..
وقد تكون السعودية أعلنت تدخلها العسكري قبل عام لكن ذلك لا يعني أنها كانت صاحبة مشاريع سلام أو أنها لم تكن صاحبة كل مشاريع الحرب والدمار التي عاشتها اليمن منذ حربها التوسعية مع اليمن في عهد “المؤسس” قبل ثمانين عاماً وحتى عاصفة عدوانها في عهد سلمان وهمجية الأحفاد.. ألف شهر من الحروب والمؤامرات والدسائس كانت مملكة آل سعود صاحبة الحضور الأبرز فيها والمدبر والممول والراعي الحصري لمعاركها والمستفيد الأول من نتائجها والتي ظل اليمنيون يدفعون ثمنها دماء وجروحا وآلاما ودموعا.. ألف شهر من الحروب والمؤامرات والدسائس والتدخلات والنزيف اليمني ظلت السعودية تسكن تفاصيلها وتستمتع وتلذذ بصناعة آلام وجروح ومآسي اليمنيين..
ألف عاصفة سبقت العاصفة وألف حرب سبقت الحرب وألف عدوان سبق العدوان وفي بدءها وختامها لا يمكننا الا أن نقول: السعودية كانت هنا تصنع وتدير حروب اليمنيين وتوجه بندقية اليمني الى القلب اليمني وتدفع اليمني لقتل اليمني.. عواصف الحرب والنزيف ثمان سنوات من الحروب والمعارك والنزيف في ستينيات القرن الماضي ومابين جمهوري وملكي انتهت الحرب بسقوط الفريقين المتخاصمين في حضن السعودية -إن لم نقل تحت أقدامها- ومنح السعودية الحق في الوصاية على الشعب اليمني وكيانه السياسي..
ثلاثة وعشرون عاما من الحرب بين شمال اليمن وجنوبه التقدم وفي الوقت الذي ظلت فيه الوحدة هدفا وشعارا يرفعه الطرفان نجحت السعودية في تعميق الشرخ وأن تجعل اليمن يمنيين والشعب الواحد شعبيين ونظامين مختلفين ومتحاربين.. في العام 1990م وعلى غفلة من السعودية انتصرت الإرادة اليمنية في الوحدة والديمقراطية لكن مثل هذا الانتصار لا يجب أن يمر مرور الكرام من وجهة نظر الجارة الكبرى التي اجتهدت من أجل تنغيص الفرحة على اليمنيين واستطاعت ومن خلال ادواتها تحويل الوحدة اليمنية من مشروع سياسي رائد وفاتحة خير ورخاء الى شر مستطير وفاتحة عصر من الازمات السياسية والاقتصادية التي عصفت باليمنيين وانتهت بإشعال نيران حرب صيف العام 1994م التي احرقت الاخضر واليابس واعادت اليمن الى الوراء سنوات طويلة وفتحت الباب واسعا امام المزيد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
بعد العام 2000م أركت السعودية أن سياساتها في إثارة النزعات المناطقية وتغذية الصراعات السياسية لم تعد تجدي نفعا فاجتهدت واتجهت لاشعال فتيل حروب مذهبية، وفي عقر دار الزيدية ادخلت الزيدية نفسها في حرب مع الزيدية وبتمويل وتوجيه سعودي دارت رحى الحرب الأولى والثانية والثالثة و …..
لتنتهي الحرب السادسة بتدمير محافظة صعدة وقتل وتشريد أبنائها وعزلهم عن بقية محافظات الجمهورية واعتبار صعدة محافظة مارقة موالية لقوى اقليمية واتهام ابنائها بالخيانة والتشكيك في وطنيتهم وعروبتهم لدرجة اعتبارهم تهديدا للأمن القومي العربي من وجهة نظر السعودية وأدواتها وأذنابها.. ألف شهر من العدوان والحروب والمؤامرات والدسائس لايمكن لنا إلا أن نقول ونحن نستذكر آلامها وجروحها: السعودية كانت هنا وما إعلانها شن عاصفة العدوان على اليمن قبل عام إلا لتتويج لسياساتها في إراقة وسفك دماء اليمنيين ووأد مشاريعهم السياسية والحيلولة دون تحقيق أي نهوض في مختلف المجالات.