إعجاز ..

محمد خالد عنتر
في ذكرى أول غارة على صنعاء .. كنت أجلس في نفس المكان الذي أجلس فيه الآن .. أتصفح الفيس بوك وأستمع إلى أغنية “إعجاز” للمطربة الإيرانية “كوكوش” حين رج المنزل صوت انفجار غريب لم أسمع مثله في حياتي.. لحقه طيرانٌ مكثفٌ في الأجواء.. على مربع الدردشة كنت أتحدث مع العديد من الأصدقاء كما هي عادتي .. وحين ضج المنزل بصوت الانفجار تواردت الأخبار بسرعة .. قال لي الأصدقاء في الخاص ” السعودية بتقصفنا .. صدقت مباشرةً لأن ما سمعته لا يمكن أن يكون انفجاراً عادياً .. ابن.. فعلها !! هكذا قلتها قاصداً بكلامي عبدربه هادي.. بنت الحرام .. وصلت للي تشتيه !! قاصداً بحديثي السعودية .. افتهنوا ؟ وصلونا للقصف؟ أقصد كل أطراف الصراع السياسي بمن فيهم الرافضون للعدوان ..
كل من في البيت كان قد فزع من نومه .. كانت أمي تنقب في ملامحي عن جوابٍ لما يحدث .. وبألمٍ  قلت لها .. السعودية بتقصفنا يماه .. هرجٌ ومرجٌ في المكان .. الأقرباء لم يناموا أيضاً .. وأوصلتهم أيديهم إلى قناة العربية .. وعلى الشاشة قرأناها
. عاصفة الحزم .. كنت أحفر بنظراتي متن العبارة تلك أحاول فهمها ..عاصفة الحزم.. على وزن عاصفة الصحراء ؟؟
عمليتان عسكريتان دبرهما الشيطان نفسه بعد أن أحكم زمام خطته.. وهاهو التاريخ يعيد نفسه .. كانت أمريكا هي من دبرت العاصفة الأولى .. فكيف لا تدبر هي العاصفة الأخرى.. حسبنا الله ونعم الوكيل .. كانت شفاه الموجودين تلهج بهذه العبارة وسط أصوات الانفجارات وصدى صوت طلقات مضادات الطيران .. لم نكن وقتها نعلم ماذا يعني مضاد طيران .. أو أنا على الأقل لم أكن أعلم ذلك
.. وقضيت ليلتي جاعلاً من نظر عيني مترساً لأمي وإخوتي الذين كانوا قد غطوا في نومٍ عميق.. أراقب نافذة الغرفة قلبي يزدحم بالأدعية كي لا يصيب أمي وشقيقي مكروه .. ونامت صنعاء جواً وقاعاً .. ولم أنم .. أدون في عقلي كل ما أراه كي لا أنساه حين يسألني التاريخ ذات يوم ..
كنت أحسبني سأتذكر كل لحظة من ذلك اليوم ..ولكن ذاكرتي خانتني كما خان حاكم هذه البلاد أرضه وشعبه ..
وتخلت عني كما تخلى العرب جميعهم عنا وعن وطننا الذي له في كل بلدٍ عربيٍ أثر وشاهد
.. وأخذت صنعاء تتلظى .. والعرب من فوقها ينهالون عليها بكل أنواع الحقد الذي أسقتهم إياه السعودية .. وأطلت شمس الصباح من خلف جبل نقم الذي كان أول أهداف عاصفة الجرم السعودي على استحياء .. لا تدري أين تشيح بوجهها خجلاً منا بعد أن باغتنا من حسبناهم إخوتنا في ليلةٍ ظلماء فلم يبقوا لنا جميلاً نحمله في قلوبنا لنرده لهم في وقتٍ لاحق.. طرق ضوء الصباح مقلتي المكلومتين .. لينبئني بأن لجسدي علي حقاً .. وأن الوطن سيبقى حتى لو غفوت .. حينها أغمضت عيني مجبراً .. وغادرت الصحوة الغائبة .. إلى النوم المترقب.. وانقضت أولى ساعات العدوان .. وأتى المزيد..
ومر العام بأكمله .. عامٌ من العدوان .. أرهقه صمودنا الذي نقارع به كل العالم .. حتى اللحظة

قد يعجبك ايضا