»عاصفة الحزم« الدوافع-الممارسات-الحصاد.!
د. صادق القاضي
كانت الأزمة اليمنية الداخلية حينها على وشك الانتهاء، والفرقاء: (قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى حل سياسي.. حيث تم التوافق على معظم القضايا المطروحة، ما عدا موضوع مؤسسة الرئاسة).حسب تعبير المبعوث الأممي السابق «جمال بن عمر» في آخر إحاطاته لمجلس الأمن.
من حينه، وحتى اليوم، جرت في النهر مياه ودماء غزيرة، ومؤخراً، صرح ناطق العاصفة بقرب نهاية عملياتها العسكرية، وغداً، ستتوقف عاصفة الحزم.. لكن بعد أن صعّدت الأزمات والحروب في اليمن، إلى ذروة تعقيداتها وحرارتها.. ومنحت الأزمة أبعادا محلية وإقليمية ودولية أكثر خطورة وعمقاً واحتمالاً للانزلاق إلى المجاهيل القلقة، كما لو أنها فتحت البوابة الخلفية للجحيم.
دوافع العاصفة:
كان من الواضح، منذ البدء، أن العاصفة تدخل عسكري يفتقد إلى الشرعية، وهذا ما دفع قوى التحالف لتسويق هذا التدخل وشرعنته بكل الأوراق الممكنة، بدءاً باعتبار طلباً مجازفاً، من رئيس مستقيل، مبرراً كافياً للتدخل، لإنقاذ شرعية منتهية الصلاحية.!!
من جهة أخرى روجت السعودية، من خلال الخطاب الديني ووسائل الإعلام، لتدخلها هذا، في أوساط شرائح واسعة في اليمن والخليج والعالم الإسلامي السني عموما باعتباره حربا مقدسة ضد المجوس والروافض.!
من جهة ثالثة لم تفوت الجارة الشقيقة الشرعنة لتدخلها من خلال قرار مجلس الأمن «2216»، وهو قرار دولي لا علاقة له بأي دعوة إلى تدخل عسكري لحل الأزمة اليمنية، كما أنه صدر لاحقاً للتدخل.!!
لاحقاً، صرح وزير خارجية المملكة «الجبير» أنه تم الاستعداد للعاصفة قبل أشهر طويلة من تدشينها، أي حتى قبل دخول الحوثيين عمران.. كما صرّح الرئيس «هادي» نفسه، أنه تفاجأ بالعاصفة التي شرعنت همجيتها من خلال استعادة شرعيته.!.
وطوال العاصفة، بيّنت أدوار وخطابات الأمم المتحدة، بأكثر مما يكفي، براءة القرار الدولي من عاصفة الحزم، وهكذا، بالإضافة إلى جرائم الحرب التي برهنت عملياً على توجهات مناقضة للشعارات المعلنة، تساقطت أوراق التوت تباعاً عن عورة العاصفة، لتبدو كما هي في الواقع مجرد عدوان همجي قامت به دولة على دولة أخرى لم تطلق تجاهها حتى طلقة مسدس واحدة.!
المبرر الإيراني:
تهافت المبررات المعلنة للعاصفة، لا يعني أن «الجارة الشقيقة» أعلنت الحرب على اليمن لمجرد العبث.. فالعاصفة هي إحدى الترجمات العملية المشتعلة للحرب الإقليمية الباردة التي تعصف بالمنطقة منذ عقود، خاصة في السنوات الأخيرة.
على ضوء هذا الاستقطاب الإقليمي المحموم، تجلت العاصفة كمحاولة سعودية لاستعادة حديقة خلفية مهملة تحاول التمرد عن بيت الطاعة، وقد تتحول إلى حربة إيرانية في خاصرة الخليج!
هذا الدافع يخص السعودية وحدها، ولا يشرعن للعدوان بحال، وهو، وإن كان موضوعيا، يستند على تضارب إرادات ومصالح دولية، فمن المؤكد أنه قائم على المبالغة في المخاوف وردود الأفعال، لقد بينت الحرب أن علاقة الحوثيين بإيران فضفاضة، أبعد ما تكون عن الالتزامات والبعد الاستراتيجي، بل ولا تخلو من انتهازية من الجانب الإيراني، أو حسب بعضهم: فإن «إيران تريد محاربة السعودية في اليمن حتى آخر مقاتل حوثي».!.
هذا الأمر كان واضحاً حتى لحلفاء السعودية الأمريكان، منذ فترة طويلة، كما كشفت الـ «نيويورك تايمز» مؤخرا، مضيفةً إن رجال الاستخبارات الأمريكية «يعتقدون أن السعوديين يبالغون في مدى الدعم الإيراني للحوثيين، وأن إيران لم تُرَ لها علاقة مع جماعة الحوثيين إلا مجرد مصدر إزعاج للسعوديين».
القرار والممارسات:
حتى لو كانت» عاصفة الحزم «مجرد لعبة «بلايستيشن»، فقد كانت قوات التحالف بحاجة لسنوات طويلة من التخطيط وبناء البرامج والتدريب والقصف والتدمير والتجارب المتهورة.. قبل إعلان الفشل.
النجاح والفشل هنا لا يتعلقان بالتفوق أو الحسم العسكري، بقدر ما يتعلقان بتحقيق أهداف التدخل وبناء البدائل.. تغيير نظام ودولة وجيش ومراكز قوى وحتى تركيبة اجتماعية ومناخ سياسي وأمني واقتصادي.. وتأسيس بدائل مختلفة تماماً.. قضية أكثر تعقيداً وأصعب من إمكانية تحقيقها بضربات جوية، ودعم مرتزقة على الأرض.!
لكن قوى التحالف، وبدون اعتبار لكل ذلك وغيره، دشنت، هذه «الحرب غير المتماسكة والمتهورة.»: كما يصفها بعض الأمريكان، أو كما قال الوزير السعودي «عادل الطريفي»: «كنا نأمل في بداية الأمر أن تلك الحملة العسكرية ستكون أمراً سريعاً، وأن الحوثيين سيرجعون إلى رشدهم».. «والآن، كما يبدو، ليس هناك نهاية لتلك اللعبة»!.
أياً كان الأمر، لقد دخلت قوى التحالف هذه الحرب بالكثير من المال والسلاح، والقليل من التفكير والتخطيط، والأقل من الأخلاق والقيم، في مواجهة قوى هي العكس، بما تكشف المقارنة مفارقاته الملفتة خلال عام كامل من العاصفة.
طوال عام كامل: كانت قوى العدوان تستهدف المنازل والمدارس والمستشفيات والمتاحف والجوامع والمصانع والطرق والجسور.. وخيم الأعراس والعزاء..!
كانوا يستهدفون حتى المقابر ولعب الأطفال، بما في ذلك من ازدراء للكرامة الإنسانية، والاستخفاف بكل تراكمات الحضارة البشرية من الأعراف والشرائع والقيم.!
كانوا يستهدفون حتى مرتزقتهم، على غفلة من الخلف، وفي المقابل كانت قوى مقاومة العدوان تحذر المرتزقة قبل مواجهتهم من الأمام، وتغض النظر عن المستسلمين والذين يولون الأدبار.
كانوا يستهدفون حتى المزارع والحظائر وحدائق الحيوان.. كانوا يستهدفون الشعب بكل مقدراته.
كانوا يستهدفون حتى المقابر ولعب الأطفال، بما في ذلك من ازدراء للكرامة الإنسانية، والاستخفاف بكل تراكمات الحضارة البشرية من الأعراف والشرائع والقيم.!
كانوا يستهدفون حتى مرتزقتهم، على غفلة من الخلف، وفي المقابل كانت قوى مقاومة العدوان تحذر المرتزقة قبل مواجهتهم من الأمام، وتغض النظر عن المستسلمين والذين يولون الأدبار.
كانوا يستهدفون حتى المزارع والحظائر وحدائق الحيوان.. كانوا يستهدفون الشعب بكل مقدراته، يستهدفون كل شيء، أخضر ويابس، ويهلكون الحرث والنسل، وكان الجيش واللجان الشعبية تستهدف الأهداف العسكرية والمرتزقة المحليين والأجانب على الحدود وفي الداخل، في ظل إيمان حريص بأخلاق الحرب، والتزام دقيق بشرف الخصومة ونبل الفروسية.
لم تكن أهدافهم مشروعة حتى في الحروب الكلاسيكية، وكانت أهداف القوى الوطنية وستظل مشروعة طالما ظل هناك عدوان أجنبي، وجرائم حرب، ودفاع عن الوطن والنفس.
الحصاد:
قبل حوالي العام، قال أنصار «العاصفة»: إنها حرب لصالح اليمن، حرب ذكية أشبه بعملية جراحية دقيقة وخاطفة، تستهدف -فقط وفقط- استئصال:
– المليشيات «الحوثية الانقلابية».
– الجيش «العائلي العفاشي».
وفي مقابل نزع هذين العنصرين بسرعة وسلاسة وبدون مضاعفات، كالشعرة من العجين، ستعمل السعودية على:
– إعادة «الشرعية» الشريدة.
– بناء يمن نموذجية حديثة من خمسة نجوم، تليق بمجلس التعاون الخليجي.!.
تعالوا نحصِ الآن حصاد حوالي عام كامل من القصف الجوي والبحري والبري حتى بالأسلحة المحرمة.. والحصار الكامل المتكامل حتى على المساعدات الإنسانية.
• من ناحية الفشل:
– فشلت العاصفة في النيل حتى من قيادي واحد في جماعة الحوثي.
– لم تنجح في إصابة أيّ قيادي في الجيش اليمني.
– أخفقت بشكل ذريع في إعادة الشرعية، بل حتى في تأمين مساحة مناسبة لممارسة بطالتها.
• في المقابل، نجحت العاصفة في:
– قتل عشرات الآلاف من الأبرياء.
– تعطيل مئات الآلاف من العاملين وتجويع أسرهم.
– تشريد ملايين المواطنين من مساكنهم ومناطقهم.
– تدمير البنية الصناعية والتجارية والأمنية والعسكرية والسياحية والعلمية والتعليمية.. بما يشمل:
– تدمير المئات من المصانع والأسواق التجارية والمنشآت السياحية ومخازن الأغذية ومحطات الوقود..
– تدمير الآلاف من المدارس والمستشفيات والجسور والجوامع والمنازل والمنشآت العامة والخاصة.. ثم ما الذي تبقى من مدن كاملة كعدن وتعز وصعدة.؟!
خلاصة ما حققته العاصفة، بالنسبة لأهدافها الترويجية المعلنة، هو أنها:
– بدلاً من تمكين الشرعية، نجحت في تمكين الجماعات الإرهابية من محافظات ومقاطعات واسعة.. وحسب تقييم السيناتور الأمريكي «كريس ميرفي» للعاصفة، فإنها: مكنت القاعدة في جزيرة العرب من الازدهار والتوسع».
-بدلاً من «الخمسة نجوم، والمجلس الخليجي» نجحت العاصفة في صوملة وأفغنة اليمن، وتحويلها، بالمعايير الدولية، «إلى دولة أسوأ من فاشلة».
عموماً، وفي مقابل أن الحرب الأهلية المشتعلة على عشرات الجبهات.. تسببت بالكثير من الدمار والقتل، فإن ما لا يقل عن «???» من الدمار في اليمن، تسببت به طائرات وبوارج التحالف.. كما صرح المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة: أن» التحالف مسؤول عن سقوط عدد من المدنيين «أكبر بمرتين» مما تسببت به الأطراف الأخرى المشاركة في النزاع».
أسوأ من تدمير البنية المادية بهذا الشكل الفادح، دمرت العاصفة وساعدت في تدمير البنية النفسية، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وخلق تصدعات في الوحدة الوطنية يحتاج رأبها لسنوات وعقود طويلة.
ختاماً، لنتذكر جيداً أنه قبل عام كان هناك صراع يمني- يمني، بين دولة بلا شرعية وبين شرعية بلا دولة، وأن قوى التحالف التي تدخلت في الصراع أفضت اليوم باليمن إلى بلد بلا دولة ولا شرعية..
لقد خسرت اليمن الكثير، لكن السعودية لم تربح شيئاً، فحتى الآن لم تستطع حتى تأمين حارة واحدة في عدن، لتكون مسرحاً يؤدي فيه هادي وفرقته المسرحية الهزلية للشرعية، وما كان لهم دخول «المعاشيق» إلا خائفين!.