معين النجري
كان حميد الأحمر في مقر إقامته بتركيا على دراية بما يحاك ضد اليمن من مؤامرات رغم أن الحوار الذي يديره بنعمر في موفمبيك على وشك ملامسة الأرض الصلبة لبناء اتفاق متين قادر على إخراج البلد من أزمته.
ظهر ذلك جليا في سؤال طرحه الأحمر على المندوب الأممي خلال مكالمة هاتفية امتدت أكثر من نصف ساعة وتم تسريبها لاحقا. ورغم أن السؤال عن موقف الأمم المتحدة جاء بصيغة: ماذا لو شنت دول الخليج حربا على اليمن؟ إلا أنه سبق وإن قال في ذات المكالمة « لا اعتقد أن السعودية ستسكت عن ما يدور في اليمن» .
إذن لا شيء خاضع للصدفة وما شهده الحوار من تعقيدات وعرقلة وانسحابات متتالية لم تكن مجرد ردود أفعال أو تعبير عن اعتراضات ضد بعض البنود أو المواقف للطرف الآخر وإنما إرهاصات وعراقيل لكسب الوقت حتى تحين ساعة الصفر عند أصحاب القرار الحقيقي خارج الحدود.
انسحابات معرقلة
دشن حزب التنظيم الوحدوي الناصري خطة الانسحابات المتتالية من حوار موفمبيك مبكرا عندما أعلن ممثله في الحوار الأمين العام للتنظيم عبدالله نعمان الانسحاب من الحوار يوم الاثنين 3 فبراير 2015م، متعذرا بتلقيه هو وممثل الإصلاح تهديدات رغم إن محمد قحطان ممثل الإصلاح لم ينسحب ولم يصدر منه أي ردة فعل.
هل كان التنسيق بين هذه الأحزاب في تنفيذ خطة العرقلة في بدايتها؟ ربما .
نعمان الناصري عاد لحضور جلسات الحوار بعد مناورته الأولى لكن ليقدم استقالته مرة أخرى بعد ثمانية أيام فقط من تاريخ الانسحاب الأول مشترطا إلغاء الإعلان الدستوري لاستئناف الحوار رغم إن الحوار كان يسير بشكل طبيعي وكانت نتائجه ستوجد بيئة وتوافقا جديداً يتجاوز موضوع البيان الدستوري الذي أعلنته جماعة أنصار الله .
بعد ثمانية أيام أخرى كان لابد من الانتقال إلى الخطوة التالية من مسلسل الانسحابات المعرقلة وكان الدور هذه المرة على الحزب الاشتراكي الذي أعلن انسحابه من الحوار مسببا الانسحاب ،بحسب تصريح رئيس اللجنة المركزية للحزب يحيى أبو إصبع، احتجاز مندوب الإصلاح محمد قحطان.
لقد كانت الأدوار التمهيدية لإفشال الحوار من نصيب الناصري والاشتراكي وحتى ذلك التاريخ لم يصدر عن الإصلاح أي موقف وكانت ردة فعله عن احتجاز قحطان مجرد إعلان تعليق حضور جلسات الحوار يوم الخميس 26 فبراير 2015م ، فالإصلاح يحرص على أن مثل هذه الخطوات لا يجب أن تتخذ وتمر بهدوء ويجب أن يتم الإعداد لها بشكل جيد.
وبعد جهود بذلها المبعوث الاممي جمال بنعمر أنهى حزب الإصلاح «الاخوان المسلمون» وحزبا الناصري والاشتراكي مقاطعتهم لجلسات الحوار ليعودوا في 2 مارس إلى طاولة الحوار ولكن ليس لاستكمال المفاوضات والبحث عن حلحلة الأزمة وإنما لطرح شروط جديدة لها علاقة بالحوار نفسه، منها اشتراط نقل الحوار من صنعاء إلى مدينة أخرى وتمثيل عبدربه منصور هادي في الحوار رغم أن هادي كان قد قدم استقالته.
نستخلص مما سبق إن حزب الإصلاح لم يكن جادا ولا حريصا على الحوار لإيجاد حل أو التوصل إلى اتفاق بقدر ما كان يضع العراقيل أمام أي تحرك لمسيرة الحوار، ما دعا بنعمر للقول في حديثه لحميد الأحمر «لماذا لا تحاورون بشرف» وأضاف «انتم تكذبون باستمرار وتعرقلون الحوار».
الإصلاح ينقلب
دعا حزب الإصلاح يوم الاثنين 16 مارس 2015م أي قبل تدشين العدوان على اليمن بحوالي 12 يوماً ، وسائل الإعلام إلى تغطية أحداث جلسة الحوار في اليوم التالي 17 مارس ليعلن ممثل الحزب حينها حبيب العريقي في الجلسة الثانية من الحوار انسحاب الحزب دون أن يبدي أسبابا للانسحاب.
لم يكن الإصلاح بحاجة لتبرير الانسحاب لأنه يعلم أن هناك من يعد لتفجير الوضع وتنفيذ عدوان شامل على اليمن سيخلط الأوراق وربما كان يعتقد قادة الإصلاح إن هذا العدوان سيوصلهم سريعا إلى كرسي السلطة، لذا فقد جاء تصريح العريقي يومها لا علاقة له بالحوار والاتفاق عندما قال « إن المهمة الرئيسية لنا اليوم في ميدان الثورة السلمية» لا أحد يومها كان يعلم مغزى ما ذهب إليه ممثل الإخوان ، فالناس كانوا بانتظار اتفاق بين القوى السياسية يعيد اليمن إلى الوضع الطبيعي.
ورغما عن ذلك حرص بنعمر وبقية القوى على تقديم الكثير من التنازلات والوصول إلى اتفاق حول معظم النقاط ليصبحوا على وشك إعلان الاتفاق النهائي.
بنعمر يحمل السعودية فشل الحوار اليمني
كان لابد للمبعوث الأممي جمال بنعمر أن يختم مشواره في اليمن بكلمة صدق أمام العالم وأمام نفسه وأمام اليمنيين الذين علقوا الكثير من الآمال على جهوده في تجميع القوى السياسية على اتفاق يخرج اليمن من أزمته، لذا عقد بنعمر آخر مؤتمراته الصحافية في مقر الأمم المتحدة في 27 من ابريل 2015م، ليضع العالم في الصورة الحقيقية لما دار ويدور في اليمن عندما قال “إن الفرقاء اليمنيين كانوا على وشك التوصل إلى اتفاق نهائي شمل الملفات كلها قبل التدخل العسكري العربي بلحظات”.
لم يكن بنعمر قد اخترع هذه الحقيقة ولا افتراها، إذ سبق وإن كان يطلع الرأي العام على كل مستجد في الحوار وعن مراحل وخطوات الاتفاق والعرقلة سواء في مؤامرات أو تصريحات صحفية أو من خلال صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، ففي يوم الخميس في 5فبراير 2015 قال بنعمر في منشور له على الفيسبوك “تقدمنا هذا الصباح خطوة مهمة على درب إنجاز اتفاق سياسي ينهي الأزمة الحالية”. المتحاورون في موفمبيك كانوا قد توافقوا ،بحسب بنعمر، على شكل السلطة التشريعية للمرحلة الانتقالية بما يضمن مشاركة كل المكونات السياسية التي لم تكن ممثلة في مجلس النواب الحالي. وتضمن التوافق الإبقاء على مجلس النواب بشكله الراهن، بالإضافة إلى تشكيل مجلس يسمى «مجلس الشعب الانتقالي» يضم المكونات غير الممثلة ويمنح الجنوب خمسين في المئة على الأقل ، وثلاثين في المئة للمرأة وعشرين بالمئة للشباب. ويسمى انعقاد مجلس النواب ومجلس الشعب الانتقالي معا بـ”المجلس الوطني”. ليكون لهذا المجلس صلاحيات إقرار التشريعات الرئيسة المتعلقة بإنجاز مهام واستحقاقات المرحلة الانتقالية.
وتمنى بنعمر من الأطراف الابتعاد عن المناورة والتعطيل، لأن المفاوضات ،حد تعبيره،التي امتدت لوقت أطول من اللازم.لكن الأعداء ومرتزقتهم كانوا قد أكملوا العدة لشن العدوان على اليمن وإفشال الحوار وإجهاض مشروع التوافق ليدخلوا اليمن في مربع جديد كان المخلصون يبذلون قصار جهودهم لتجنيب اليمن واليمنيين ويلات هذا الخيار.
أنجز بنعمر مسودة الاتفاق وأنجزت دول العدوان رسم خطة الحرب وقبل أن يعلن بنعمر عن التوافق شنت طائرات آل سعود غارتها على اليمن لتنسف كلما تم التوصل إليه من اتفاقات بين الفرقاء في اليمن.