ماذا بقي من فكرة ” الشرق الأوسط الجديد” ..؟!!
طه العامري
تبدو خارطة العالم والمنطقة بما فيها وأهمها خارطة الوطن العربي في طريق تحولات جيوسياسية وجيوبلوتيكية معاكستان لرغبات وتطلعات الحالمين بـ( شرق أوسط جديد ) رغم كل التداعيات الدرامية الدامية والمثيرة والممزقة لكل أواصر النسيج الاجتماعي الذي جبل بثقافة إلغاء الآخر واستهدافه منذ برزت أحداث العام 2011م بما حملت تلك الأحداث من قيم ومفاهيم جديدة ودخيلة على الوعي الجمعي العربي , والتي جبلت بكل ثقافة الكره من الآخر الوطني والسعي الجاد لإلغائه من الخارطة الاجتماعية بل والإيغال في إنكاره وإنكار كل علاقة قائمة بين المكونات المجتمعية على خلفية النزعة بالتسلط والسيطرة إذا ما أدركنا أن الصراع على السلطة والنفوذ والثروة هي من شكلت العامل الدافع لما حدث في العام 2011م تحت مسمى ” الربيع العربي ) الذي تغذت فعالياته بكل مقومات الكره والحقد على الآخر الوطني والاجتماعي نتيجة حتمية لغياب معيار العدل الاجتماعي وهو المعيار الذي نسعى إليه جميعا ونبحث عن كل مقوماته , ولكن هناك فرقاً بين الساعي لتحقيق العدل الاجتماعي وفق معايير وطنية وعلى هدى من منظومة القيم والأخلاقيات الاجتماعية , ومن يسعى لتحقيق هذا المعيار وفق ثقافة الحقد والكراهية والرغبات الانتقامية , لأن العدالة الاجتماعية لا يمكن تحقيقها من خلال رافعة الحقد والكراهية بل عبر ومن خلال التحولات المجتمعية الحافلة بكل قيم الولاء والانتماء المجسدتين على وحدة الهوية والمصير قطريا كان الأمر أو قوميا .. لا شك أن للاستبداد والديكتاتورية والظلم والطغيان دورا في تجذير كل هذه العوامل و القيم السلبية وهي عوامل تميزت بها وامتازت بها غالبية أن لم تكن كل الأنظمة العربية الحاكمة والتي جعلت من رموزها في مصاف ” الآلهة ” إن صح التعبير , لكن هذا الطغيان وهذا الظلم والاستبداد والديكتاتورية من الصعب أن تعالجها بالفوضى والخراب , ولا بالحقد والكراهية , ولا بتبني ثقافة وفلسفة ” نيرون ” ولا نذهب إلى ما ذهب إليه ” شمشون ” في حكايته وأسطورته , لأنه إذا ما اعتبرنا هذه الأنظمة التي تسلط على إرادتنا العربية قطريا وقوميا كان بمثابة الفعل الكارثي , فإن الطريقة التي ظهر ت به أدوات التغيير في العام 2011م كانت أكثر من كارثة ..!! فالغباء أن تعالج الخطأ بالخطيئة , وأن تعالج الكارثة بكوارث متعاقبة , وأن تبحث عن هوية وطنية وقومية على أنقاض المجتمع الذي تنتمي إليه , لهذا فشلت إرادة الفعل الإيجابي وهناك من اتخذ من فشل هذا الفعل رافعة لتحقيق أهداف وغايات إستراتيجية بالأصالة والإنابة الأمر الذي حول مسارات التغيير إلى أخرى تدميرية وأكثر من كارثية , غير أن ثمة جيوباً وطنية وعربية سعت وبما تملك من عوامل القدرة والقوة إلى إعادة ” البوصلة ” للمسارات الخاطئة وكان لـ ” دمشق ” شرف التصدي لمسارات الخطيئة والبحث عن طوق نجاة للأمة من مصير كارثي حقيقي , ويكفي أن ندرك أن ما يعتمل على الخارطتين الوطنية والقومية بكل مآسيه لا يشكل إلا الصدى لما كان سيحدث لو أن بوصلة المسار العربي وطنيا وقوميا ظلت تتجه بذات الاتجاه الذي حاولت قوى الشر والعدوان أن تجعله طريقا آمنا للعرب وفق تحليلات كبرى مراكز الدراسات الإستراتيجية الغربية الذين اعتبروا أن صمود ” دمشق ” أفقد محاور النفوذ فرصة إعادة تشكيل خارطة المنطقة والعالم بل وسقطت فكرة ” الشرق الأوسط الجديد ” من الذاكرة الاستعمارية بعد أن سعت لتحقيقها عبر بحار من الدماء وجبالا من الجماجم بدت في غزو العراق ثم حرب صيف العام 2006م مع المقاومة وأخيرا عبر قطار ما يسمى بـ” الربيع العربي ” .. إذ يمكننا القول إن فكرة ” الشرق الأوسط الجديد ” سقطت ولكن ثمة تأثيرات طاغية لا تزال تخيم على الوعي الجمعي العربي وهي التأثيرات ” الطائفية والمناطقية ” وثقافة الحقد والكراهية والتي في تكريسها اعتراف صريح في فشل وسقوط المشروع الأخطر على المنطقة وأقطارها , لأن الفشل دفع أطراف اللعبة إلى رفع مثل هذه الشعارات تعبيرا عن هزيمتهم وتجسيدا لحقيقة حنقهم ورغبتهم في الزج في المنطقة بكل مكوناتها ونسيجها المجتمعي إي مربع الاحتراب ” الذاتي ” وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق سيئ الصيت ” هنري كيسنجر ” بعد حرب تشرين أكتوبر العام 1974م حين قال ” سنجعل العرب يحققون أمن إسرائيل وسيجعلون منها دولة عظمى وفاعلة في المنطقة , إن نحن تبنينا فكرة الدولة الكردية في شمال العراق _ أولا _ ثم أوجدنا نطاقات ” سنية ” وأخرى ” شيعية ” ..!! لقد كانت ” أفغانستان ” نموذجاً صارخاً لبدء الحراك السلبي ” سني _ شيعي ” حين تركت شمال ” أفغانستان ” ملاذا آمنا ولم تدخل معترك الحرب ضد ” السوفييت ” وبدت يومها الأقاويل تردد ضد ” الشيعة ” وحين غادر ” السوفييت ” أفغانستان تحت وهم انتصار ” المجاهدين من أجل الحرية ” كما كانت ” واشنطن والغرب ” يطلقون عليهم , اتجه ” المجاهدون ” نحو شمال أفغانستان لتصفية الحساب معها بتهمة تخاذلها عن الجهاد .. مع أن شمال أفغانستان لم يتخاذل ولكن ” واشنطن ” سعت إلى جعلها منطقة محايدة وآمنة ..؟ غير أن ” المجاهدين ” سرعان ما وجهوا بنادقهم إلى صدور بعضهم ودخل زعماء شمال أفغانستان وسطاء بين المجاهدين ..؟! خلاصة القول إن تأثيرات ” الشرق الأوسط الجديد ” لا شك ستظل ماثلة في الذاكرة الجمعية العربية ردحا من الزمن , لكن هذا ” الشرق ” بمفهومه ” الصهيوني ” الاستعماري سقط وإلى الأبد ..لكن علينا أن لا نجهل حقائق التاريخ وعلينا العودة للتأريخ لنتعظ ونأخذ من تداعياته الكثير من الدروس والعبر وخاصة في هذا الزمان المثير للجدل بمساره وتداعياته وقيمه ..