دور مفضوح
عبدالمجيد التركي
حين يختبرك صديقكَ بوجهه الآخر الافتراضي وأنتَ- لصدقك- تـُطلعه على كلِّ شيء.. لمعرفتك أنه هو في كلتا الحالتين.. هل عليك أن تريه وجهكَ الحقيقي، أم عليك أن تريه الوجهَ الذي يسعى لرؤيته ليتخذ ذريعةً واهيةً لوضع شريطٍ أسودَ جانبيٍّ على صورتك المعلَّقة على قلبه!!
وحين تقسمُ له فأنتَ على ثقةٍ أنك لم تحنث في يمينكَ إلاَّ لأجلِ كشفِ الستارةِ التي يختبئُ خلفها لأداءِ دورٍ بدائي.. دور مفضوح يشبه أدوار المجانين الذين يعملون في الأمن..
هناك بونٌ شاسعٌ بين اللَّمس والمسّ..
فالاكتفاءُ بالنظر هو الميزانُ الرمليُّ الناكسُ للرؤية.. والرؤيةُ وسيلتنا لدخول بواطن المكنونات..
فإذا كنتَ من أصحاب الـ”ما وراء” وشطح بك اليقين فلن تكون أحمقَ إذا وقفتَ خلف المرآة تحسُّباً لوجود وجهٍ آخر!!
ما يفصلنا عن العالم هي تلك الحواجز التي وضعناها نُصْبَ أعيننا خوفاً من الاصطدام بالنقائص التي تحتل مساحة شاسعة في سلوكيات ساكنيه..
مع جهلنا أن تلك الحواجز هي نقيصة ربما رآها الآخرون أدنى من نقائصهم التي نخشى الاصطدام بها.
قلت هذا لصديقي الذي يعيش في صومعته وحيداً يمارس طقوس “الأنا” واهماً أن تكوينه ممزوجٌ بنفحة نورانية تحجبه عن النزول إلى مصاف العامة وكشف بواطنه لهم، لأنه لم يجد- مسبقاً- من يقدر جوهره النفيس، وأيضاً لعدم وجود من يضارعه ويصمد أمام مصطلحاته طويلاً، وإن وجدوا فإن علمهم مكتسب.. أما هو فيمتاز عنهم بحيازته علماً لدُنيـَّاً لا يتوفر إلا في نماذج معدودة ممَّن يمشون على هذه الأرض.. لأن عينيه محبوستان خلف نظارة سوداء لا تتيح لهما حتى رؤية ضوء الشمس على حقيقته، وقلبه ما يزال مقمَّطاً بالسواد، كدودة القز التي ماتت في لفافتها “البيضاء” قبل أن تصير فراشة تتوحَّد بألوان الزهور العاطرة.