ن …..والقلم .. حمود عبْد…
عبد الرحمن بجاش
يحن الرعد , يعلن أن الظهر أزف , نذهب بأنظارنا إلى الجبل هناك تحت كتف جبران المتكئ عليه ذبحان وأخواتها , تحت الإبط (( دُقم مُهير )) أو الساعة التي بها اهتدى الناس في قريتي ذات زمن للزمن !! , أن يحن الرعد فيعني المطر , وأن يهطل الغيث فيعني أن على الرعيان أن يعيدوا أبقارهم إلى البيوت , كانت تلك اللحظة هي الأجمل في حياتنا , نبدأ جميعا بنات وأولاد نردد أهزوجتنا التي بسماعها تتجمع الأبقار عند نقطة واحدة , ونترك المرعى وعيوننا على السحابة القادمة من بحر عدن حيث أهلنا والرزق , (( هٌو هٌو وليلي وليلي …واليلى هوة )) , لا تكذِب أبقارنا خبرا , فترى كل منها بمنشها الطويل تحركه مستجيبة وتنتظم في قطار طويل ونحن نرافقها بأهزوجتنا التي تتغير عند وصول أول قطرات السماء (( يا الله اسقنا الغيث , يا مين يا الله , يا الله ترحمنا وترحم بلادنا )) فيغزر المطر , تبتهج أرواحنا . عند النقطة الفاصلة نتوزع فريقين, نحن نتجه إلى قريتنا ,. واقراننا العبًاسي , طه حمود , عبدالملك حمود , وآخرين ورفيقاتهم من البنات يذهبون إلى القرية الأعلى (( المَجزعه )) , ونحن أصحاب (( العُفيف )) نعود إلى قريتنا , عند أول كريف نسقي أبقارنا . بعد الغداء مباشرة ننطلق إلى القرية الأعلى حيث ينتظرنا اقراننا , نخلس ملابسنا من منتصف الطريق ونخبئها في شقوق الأحوال خوفا من عبدالكافي , نسبح ونسبح حتى الثمالة . الكريف بجانب بيت عبداللطيف ابو الجزمه التي كانت ((تتزايط)) والتي اشتراها من سوق الطويل , ونحن نلحقه لنسمع موسيقاها . بين قريتنا والمجزعة حول (( البقور )) , يستقبلنا كلب عبد الودود الشرس , وعبدالودود راجح وأخيه إسماعيل راجح تاجري القرية العليا , على مقربة بيت الثريب والد د. قائد الثريب المحامي والأستاذ الجامعي , وبجانبها بيت زعفران ولها حكاية سأرويها يوما !! , وفي المنعطف دار الجد حزام عون قاضي البلاد أيامها ومن علم كبار القرى كيف يمسكون القلم , أمامها الصخرة التي كان عليها يلعب عبدالرحمن سيف وأولاد القاضي (( البطة )) , وبالقرب دار حمود عبْد , احد الذين تعبوا وشقوا على الطريق التي تمتلك ألف حكاية , المصلى عدن , بجانب بيت احمد صويلح جندي العمالقة الفذ , وعبده صويلح جندي الصاعقة رحمهما الله من حاربا أيام السبعين في جبال الشمال , هناك بيت (( البينيان )) من أولئك الرجال الذين كان لهم حكاية وحكاية في عدن , وهناك ردمان ناجي أشجع الرجال وإخوته قاسم , احمد , ذياب , مهيوب البحار الذي هجر القرية زمنا إلى البحر وعاد بذكرياته مع العيون الزرق , وهناك قائد قاسم بءئدابته المميزة . حمود عبد استمر زمنا ينحت الصخر بحثا عن اللقمة الشريفة بين المصلى وعدن , وبعد أن أغلقت انطلق على طريق القرية تعز , وظل يجري وراء الرزق بكل كرامة , تعب وعرق كما هم آباؤنا , إلى أن تعب , ومات رحمه الله , يبكيه روحي كما بكى من قبله من الرجال الشرفاء , من لم يمدوا يديهم إلا للرزق الكريم , رحم الله العم حمود عبد , ولله الأمر من قبل ومن بعد .