العار الدولي في حرب اليمن ( 2 )
د. خالد محمد علي الكميـم
إذا كنا نسمع ما يعرف بالحرب القذرة قبل قرن من الزمان فإننا الآن أمام حرب أقذر من القذارة ذاتها.
وإذا كانت الحرب القذرة المعروفة في الماضي فإن حرب اليمن هي أقذر قذارات العالم المعاصر لأنها تمت – ولا تزال بالطبع – بعد نشوء التجمعات الدولية العظيمة ؛ أي بعد نشوء عصبة الأمم 1919م والأمم المتحدة 1945 م ومعهما جملة المواثيق الدولية بالمئات من الاتفاقيات والعهود والبروتوكولات الإنسانية المنتصرة للسلام .
وإذا كان يقيناً سقوط أخلاق الغرب بقيادة أمريكا بعد عقود من ريادة العالم في الدعوة للتحرر ابتداء من الرئيس ولسون ومبادئه الأربعة عشر الشهيرة 1918م إلى مبادرة الرئيس روزفلت للسلام وإنشاء الأمم المتحدة 1945م والتي انتهت وتحولت بعدها أمريكا إلى امبريالية عالمية مع انتهاء الحرب الباردة واختفاء الكتلة الشرقية المناظرة لها بقيادة الاتحاد السوفيتي 1989م ومعه سقط كل حديث منها عن دعاوى حرية أو عدالة إنسانية .
وقد بدت بعدها موازين القوة الأحادية القطبية لأمريكا جلية وكانت البيان العملي الأول على العرب ؛ حيث عملت ابتداءً على إسقاط الدولة في أقوى قوة عربية صموداً وشموخاً وقومية تمثل الإنسان العربي والمتمثلة في بلاد الرافدين – العراق العظيم – بوابة العرب الشرقية .. فكانت البداية 1990م !!
ومعه نسيان الأقصى والقدس ومشروع التحرر والدولة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني وقاومته !!
ومن حينها والتفكك جار على ارض العروبة وفق أرقى أعمال الهندسة السياسة الغربية ليكون آخرها ما سمي بالربيع العربي الذي لم يكن يوماً حباً في تحرير الشعوب العربية من طغاتها ولا لإزالة الفساد وإيجاد النهضة فيها ..
بل لن ولم يكن وهو أحمق ما يتصوره الأوباش بان يكون لإيصال الأحزاب ذات التوجه الإسلامي إلى سدة الحكم.
وفي اليمن وما آل إليه الحال ما يثير الحزن بأن يصل بالحزب الإسلامي – النموذج الأسوأ – الذي أقام الدنيا وأقعدها ذات يوم على غارة لطيارة أمريكية قتلت معها ستة من المصنفين إرهابيين ..
ليأتي بعدها اليوم الذي جلب فيه عدواناً شاملاً على شعب اليمن وجيشه وبنيانه وحضارته وبنحو مائة ألف غارة وليبلغ العام وهو ما حصد معه أكثر من مائة ألف من أبناء اليمن ضحايا ما بين قتيل وجريح !!!
ولذا فإننا ولحالة اليأس من ظلال هؤلاء فإننا نتوجه بالخطاب الإنساني .. إلى العالم المتحضر المؤمل فيه احترام القواعد الإنسانية والعرف والقانون الدولي الإنساني وحقوق الانسان.
فإلى أهم المواثيق العالمية سنحتج ونحاجج وبالنصوص العريضة الواردة فيها عن اهداف ومبادئ الجماعة الدولية والتي ستكون محل التقاضي حتما.
فهذا هو ميثاق الأمم المتحدة 1945 ( الوثيقة الأولى عالميا ) أورد في المادة الأولى منه بالنص بأن ( من مقاصـد الأمـم المتحدة حفظ السلم والأمن الدولي .. )
فأي هدف يحقق السلم والأمن الدولي في اليمن أيها العالم العجيب !!
ما هو العدوان الذي مثله أو قامت به الدولة في اليمن الفقيرة في أوضاعها .. (وهي رمز الحرية والديمقراطية والشامخة بحضارتها وإنسانها ).
أي قمع همجي يستحقه شعب اليمن لتقوم عليه حرب عالمية لم يسبق لها مثيل في التاريخ لمجرد هوى دولة جارة نظامها دكتاتوري .. تمثل العدو الأول للحضارة والحرية والديمقراطية بل والإنسانية ، وهي أم الإرهاب بإجماع العالم .
وإذا افترضنا بأننا كنا خطراً داهم على الأمن والسلم العالمي فأي تدابير وإجراءات اتخذت عالميا حيالنا ؟؟
أين الشكوى .. وأين الإنذار .. وأين الوساطات والمساعي الحميدة تالياً .. وهي المعلومة في العرف والعمل الدولي !!
أين المطالبات بالتوقف عن تهديدنا للسلام العالمي حتى يتحقق بعدها الحصار البري والبحري والجوي !!
ما هذه الوقاحة والإهانة للشرعية الدولية ليكون قرار الحرب قائما في ساعة واحدة على شعب لم تكن له مشكلة سوى ضائقته الاقتصادية داخلياً !!
فهل أسقط النفط الكرامة الإنسانية لديكم لهذا الحد !! ؟؟
نحن لم نعتد أو نحتل أراضي دولة أخرى ولا نهدد الملاحة الدولية ولا نحمل أي مشروع لسلاح ذري أو نووي أو كيميائي ولا .. ولا .. !!
أي دفاع شرعي يتناوله بائعو الضمائر من أحقر المخلوقات في وسائل الإعلام العالمية حى تنجرفوا معهم .. مع أن رد اليمن على العدوان لم يأت قبل مضي أكثر من أربعين يوماً !!
أي وقاحة تمارسها أيها العالم المدعي بالحضارة والإنسانية وأنت تؤيد قتل آلاف من البشر ومعها مئات من الأعيان المدنية ( مستشفيات – مدارس – مراكز صحية – طرق – موانئ – مطارات – مصانع – كهرباء – آلات مياه الشرب ومياه ري .. وغيرها بالآلاف ).
لطالما كنا نقرأ وندرس طلابنا – حتى حصول العدوان على بلادنا – بأن العالم بلغ في إنسانيته وفق التشريعات العالمية الحديثة وحقوق الإنسان إمكان محاسبة الحاكم الخارج على الشرعية الدولية خصوصاً ما تعلق بالجرائم ضد البشر ..
فأي إجرام أيها المجتمع الدولي المعاصر يمكن أن يسجله التاريخ بفضيحتكم اللإنسانية في الحرب الظالمة على اليمن وحقيقة جملة جرائم الإبادة الجماعية الحاصلة .. ما يمثل هدم لكل القيم والمبادئ الإنسانية !!
هل من أجل عودة رئيس كان مؤقتا ثم غير شرعي ومستقيل ومنتهية فترة رئاسته .. تسمح ضمائركم ومبادئكم والتي لطالما صدعتم رؤوس العالم بها بأن تؤيدوا إبادة شعب كامل وحضارة !!
أي جرائم ضد الإنسانية ارتكبها النظام الحاكم في اليمن حتى تبررون فعلكم الرهيب بأنه تصحيح للشرعية .. لترتكبوا معها جرائم دولية ضد الإنسانية لا نظير لها في التاريخ المعاصر .. وتزعمون بعبط انه وفق الفصل السابع !!
ثم .. هل يكون الإنقاذ بالشر الأكبر والجرم الأعظم .. إن كنتم كما تزعمون ( وأنتم الأكذب بلا شك ) !!
مع العلم .. بأننا وبكل حرية في وطننا نختلف مع الكيان القائم ومع من قبله وحتى مع من قبل ذلك في كثير من الأمور ..
لكننا نأبى أن يكون هناك تفسيراً لإباحة الدم اليمني الحر وهدم الوطن وسادته غير الخيانة الوطنية. ( وهو مبدأ إنساني عالمي يشذ عنه عاهات الشعوب )
فيا أيها المجتمع الدولي
أين المبدأ العالمي لهدف : إنماء العلاقات الودية بين الأمم وفق مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب وفي حقها في تقرير مصيرها بنفسها !! ( 1 / 2 من الميثاق )
أين الهدف بأن : التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء ( 1 / 3 من الميثاق )
أي سقوط أخلاقي وإنساني في افتراض حسن النية بالالتزامات الدولية ( وهو ما تضمنته المادة 2 / 2 من الميثاق ).
أين المبدأ العالمي بأن : يفض جميع أعضاء الأمم المتحدة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر ( 2 / 3 من الميثاق ).
فهل ما حصل على ارض وشعب اليمن من عدوان أيها العالم الأعمى جعل الحال فيها إلى الأفضل أمنا واستقراراً أم زرع الإرهاب والدمار والفوضى !!
أين المبدأ العالمي بأن : يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة ( 2 / 4 من الميثاق ).
فإذا كان التهديد بالعدوان محرم ومجرم دولياً فكيف بتبرير إعادة شرعية مزعومة يشن عدواناً شاملاً على بلد مسالم من دولة وتحالف لمجرد مزعوم يحمل معه الشرعية الدولية !!
أين المبدأ الدولي بعدم الجواز او ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ( وهو مضمون المادة 2 / 7 من الميثاق )
أخيرا نقول :
هل آن للضمير العالمي أن يصحو وأن يخجل مما سبق ويكفي ما تم من جرائم بحق الإنسانية تجاه شعب اليمن !!
هل آن للضمير العالمي أن يراجع نفسه ويتوقف عن دعم الإرهاب رسمياً بحق الشعوب الحرة المسالمة !!
هل آن للضمير العالمي بأن يسير وفق منهج واحد في الحرية والعدالة وإيقاف إجرام أم الإرهاب الأولى في العالم !!