لحظة يازمن..متأمل
محمد المساح
تحت زائدة من الصفيح ” الزنك” في الركن غير بعيد من زحام وضجيج ” القات”. بائعون ومشترون على حجرة سوداء مربعة، أسند ذراعه الأيسر متكئاً، يرتفع الذراع بأصابعه الطويلة تلاعب بقايا شعيرات في الرأس، ويظل نصف جسمه الأعلى مائلا على المرفق المغروس وسط الحجر اليد اليمني بكاملها تستوي مستقيمة بلا عوج عند منتصف الذراع على عظمة الركبة المنثنية. يلوك أوراق القات وعلى وجهه الساكن السابح في فضاء بعيد، شرود المتأمل الغائب عما حوله تماماً.
اقتربت منه ” وطأ وطأ” حتى لا أقطع تأمله العميق، جلست مقرفصاً غير بعيد منه، شدني إليه في تلك الهنيهه من الزمن العائم فوقنا.. تلك اللا أبالية الرائعة المرتسمة على مساحة الوجه.. كملك.. توج نفسه على نفسه في مكان غير تلك البقعة التي تتسع لجلسته وفي زمن غير تلك الدقائق التي يعدها السوق بضجيجه ومساومات زربة القات.
رفع يده اليمنى وهبط بها إلى كومة من عيدان القات بلا أغصان رفع العود ونظر بتعمق إلى “العوامي” الداكنات الخضرة، حركه قليلاً.. وكأنه يزنه في الهواء ثم نقله بحركة بطيئة إلى أصابع اليد اليسرى وحركها مرفقها قليلا من ضلع الحجر وعاد يغرسه في العمق، وتحركت أصابع اليد اليمنى تمسح تلك الأوراق بتأودة وقد ظهرت على حوافها بقط يابسة بادرته مغامراً:
تعجبك العوامي؟ وما أدراك بالعوامي، لب القات وكيفه تعني معتق قريباً من ذلك . لم أستغرب تلك الردود ففي بحر وجهه الودود وثنيات الغضون التي حرثها العمر والسنين وذلك التأني العميق في إيجاز الجواب. كنت قلقاً أن يعود إلى تامله الشرود لكن الأصابع ظلت تنتع الأوراق بتمهلها الجميل وتعطفها عطفين ثم تلامس جانب الفم وتغيب تداعب بقية أضراس لازالت تلمع بياضاً هل تريد سيجارة؟ أن لا أدخن ولا تشرب مداع؟ ولا مداع كيف الدنيا؟ الدنيا ملك الله ونحن عابرون لم ينزعج من تطفلي عليه، ولم تبدد أية علامة في بحر وجهه الودود تشي ولو قليلاً بضيق أو لوم انسحبت بهدوء.. معاتباً نفسي والتفت.. عادت الأيدي في استوائها مع جلسته والوجه الشرود المتأمل.