الشعب يقف بعناد واستقلال شرس في وجه الامبريالية الشيطانية
بقلم: كاترين شاكدام
في 25 مارس 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية، التي تعد واحدة من أغنى الدول في العالم، الحرب على اليمن من جانب واحد في محاولة أخيرة منها لفرض أملاءاتها الدينية والسياسية على حد سواء.
غير أن اليمن وقفت بعناد واستقلال شرس أمام العدوان وقاومته بمنتهى الصمود معتمدة على نفسها، وأصبح اليمنيون آخر المجتمعات العربية الحرة الواقفة في وجه القوة الامبريالية الشيطانية. إن هذا التوجه الديني السياسي الجديد – الذي تعبث به القوى الغربية – قد عقد العزم على كسر اليمن وإخضاعه لحكمه وبالتالي إجبار شعب بأكمله على الرضوخ للإمبريالية الوهابية، لأنهم يتصورون أنهم قادرون على إعادة إحياء سيطرتهم الاستعمارية التي فقدوها في منطقة الشرق الأوسط. لقد برهنت السعودية عن كل أخلاقها الهمجية.
لقد تم إلقاء اليمن في أتون معركة عنيفة جرى فيها استخدام الأسلحة الكيميائية والاستهداف الممنهج للبنى التحتية المدنية وقتل الأبرياء والمدنيين العزل والحصار غير الإنساني، و وجد اليمن نفسه وحيد تماما في المعركة بعد أن تخلى عنه المجتمع الدولي الأناني جدا.
لا يعرف العالم حتى الآن عن اليمن إلا ما سمحت به وسائل الاعلام عبر صحفييها وما يسمى بالخبراء. وحتى الآن، يعاني اليمن من ظلم كبير نتيجة التشويه المتعمد والدعاية المزيفة.
تم إعاقة التقدم في البلد وتقديم الشعب ضحية لأعمال العنف والأعمال الوحشية الامبريالية الوهابية، لكن لطالما كان اليمن أمة مقاومة يملك شعبها إرادة صلبة من حديد تجعله على استعداد للتضحية في سبيل الحرية.
تملك اليمن شيئا بسيطا وراء هذا الصمود منذ أن اختارت معظم الدول أن تتغافل عن الجرائم التي ترتكبها الرياض، سبب صمود اليمن هو وجود عدد قليل من الشجعان الذي تحدوا الجور والطغيان بأرواح ثائرة لا تشعر بالخوف يحركهم فقط الشعور الملحّ بالمسؤولية تجاه أولئك الذين أصبحوا أكثر عرضة للخطر بسبب الحرب.
أصبحت اليمن، ذلك الجرح النازف وميدان المعركة الكبرى، عار متراكم يثقل كاهلنا، فقد لقي أكثر من عشرة ألاف شخص حتفهم منذ عام 2015، غالبيتهم من غير المقاتلين، بالإضافة لعشرات الآلاف من المصابين والملايين من الذين شردوا من منازلهم.
لكن هذا ليس كل شيء، فمن أصل 26 مليون نسمة هم سكان اليمن، هناك أكثر من 22 مليون شخص على وشك الموت جوعا. ويعاني أكثر من 2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد المزمن، وقد لا يتمكن مئات الآلاف من النجاة بحلول نهاية فبراير. هذه الأرقام مروعة، هذه الأرقام لن تجدها في الأمم المتحدة لأنها لو كشفتها ستخون المسؤولين الذين لن يكونوا قادرين على تبرير وتسويغ ذلك لفترة أطول.
وبدلا من ذلك، يجري تسويق حرب أهلية خيالية للجمهور تتحدث عن تأليب الحوثيين ضد الموالين لهادي. القصة الحقيقة هي أنه ليس هناك حرب أهلية في اليمن، هناك فقط محاولات للاحتلال من قوة امبريالية ضد دولة ذات سيادة.
لكن اليمن تملك الكثير من أبنائها وبناتها العظماء للدفاع عن أراضيها. والأكثر من ذلك، أن اليمن لديها العديد من الأصدقاء الرائعين على استعداد للوقوف في سبيل الحقيقة ومقاومة الدعاية الإعلامية البغيضة.
هناك الكثير من الجهود تسعى لتخفيف معاناة اليمن. جهود كهذه نجدها في أعمال منظمة منى للإغاثة (MRF). كانت منظمة منى متواجدة على أرض الواقع في اليمن منذ بداية الحرب. منى منظمة خيرية صغيرة لكنها قوية واستطاعت الحفاظ على استقلاليتها في مزيج بين الإيمان الراسخ والإصرار، مدركة تماما مزالق التمويل “الأجنبي” الذي يتطلب – هذه الأيام – أساس الولاء الإنساني الطائفي للرياض.
المنظمات غير الحكومية التي تديرها السعودية:
باعتبارها متبرع سخي للعديد من المنظمات غير الحكومية الكبيرة بما فيها وكالات تابعة للأمم المتحدة، تسعى المملكة العربية السعودية وبحكم الأمر الواقع لفرض إرادتها على المجتمع الدولي عن طريق الابتزاز و الوعود المالية السخية في مقابل الرقابة الكاملة على توزيع المساعدات الإنسانية في اليمن.
اتخذت الرياض اليمن كرهينة طوال الشهور الماضية ومنعت دخول الغذاء والدواء وغيرها من الضروريات، وسمحت بدخولها فقط للميليشيات التي تستغلها المملكة لزرع مزيد من الفوضى والفتنة كمسلحي تنظيم القاعدة الإرهابي.
في واقع الأمر، لم تعترض الأمم المتحدة مطلقا على الحصار الذي تفرضة الرياض على اليمن بالرغم من أنه يسير في مواجهة القانون الدولي. ويقول العديد من الخبراء القانونيين مثل كيم شريف في المملكة المتحدة، ومحمد هادي ذاكر، دكتوراه في القانون الجنائي الدولي في هولندا أن مثل هذه الانتهاكات تشكل في الواقع جرائم ضد الإنسانية.
وذكرت صحيفة الإندبندنت في سبتمبر 2015: “سينفد الوقود والإمدادات الطبية الحيوية في غضون أسابيع في بعض المناطق الأكثر تضررا من اليمن، كما حذرت وكالات الإغاثة من الحصار المفروض من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية والتي تقصف جميع أنحاء اليمن بغارات جوية منذ عدة أشهر”.
وفي نوفمبر 2015، حذرت صحيفة أوبين ديموكراسي ضد المبررات التي تسوغها المملكة للحرب، وأشارت الصحيفة إلى “أن الحصار المستمر من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية بالتوازي مع تصاعد العنف، يهدد بانزلاق البلد نحو المجاعة. وكان الحصار الاقتصادي رغم أنه لوقف الإمدادات الإيرانية من الوصول إلى اليمن قد بدأ في مارس 2015. وتدعم دول مجلس التعاون الخليجي – باستثناء سلطنة عمان – هذه الحرب وهذا الحصار”.
وتابعت الصحيفة مؤكدة “هذا التحالف الذي تقوده السعودية مسؤول أيضا عن الضربات الجوية ضد السكان بدعم استخباراتي من الولايات المتحدة الأمريكية. كما أعربت المملكة المتحدة عن دعمها للعدوان الذي تقودة السعودية وذلك على لسان فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني الذي صرح قائلا أن “هناك مشاركة بسيطة لبلاده في القتال من خلال جميع الوسائل المتاحة”. ولهذا فإن جميع الأطراف المتورطة في الغارات الجوية، بمن فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تقوم ضمنيا بدعم وتأييد الحصار الاقتصادي. ربما يكون الحصار قد نجح في وقف تدفق الإمدادات العسكرية ولكن ذلك تم على حساب المعاناة المرفوضة التي دفع تكلفتها السكان المدنيين وكان برنامج الغذاء العالمي قد أعلن في أغسطس 2015 أن اليمن على بعد “خطوة واحدة” من المجاعة “.
ها نحن الآن في فبراير 2016! :
في 27 يوليو 2015، انتقدت هيومن رايتس ووتش المملكة العربية السعودية بشكل لا لبس فيه بسبب سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان … لاتزال اليمن معرضة للسقوط أكثر في هاوية الحرب واليأس الإنساني.
فيما لاتزال القوى العالمية صامتة، تدّعي الغفلة، ولم تتحدث أيا منها للدفاع عن المدنيين في اليمن.
وقد بدأ الملك سلمان وحلفائه في 17 أبريل 2015 العمل على تعطيل وتخريب المساعدات التي نظمتها الامم المتحدة الى اليمن في أعقاب النداء العاجل والطارئ للأمم المتحدة بتوفير 274 مليون دولار لتغطية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحا خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
وفي معرض حديثه عن معاناة اليمنيين، شدد منسق الشؤون الإنسانية يوهانس فان دير كلاو، قائلا : “يجري الصراع المدمر في اليمن على خلفية أزمة إنسانية قائمة تعد بالفعل أحد أكبر وأكثر الأزمات الإنسانية تعقيدا في العالم، حيث تعيش الآن الآلاف من الأسر بعيدة عن منازلها بعد أن فرت منها نتيجة للقتال والغارات الجوية. وتكافح الأسر العادية من أجل الحصول على الرعاية الصحية والمياه والغذاء والوقود و المتطلبات الأساسية للبقاء على قيد الحياة”.
تبرعت السعودية على الفور بالمبلغ المطلوب للمساعدات. ولكن هذه المساعدات سوف تأتي مع شروط.
حيث ذكر موقع فايس نيوز الإخباري الأمريكي في يونيو 2015 أن المسؤولين السعوديين ضغطوا على مسؤولي الأمم المتحدة لتعطيل تسليم المساعدات، مهددين بإغلاق دفتر الشيكات السعودي في حال رفضت وكالات الامم المتحدة طلبات الرياض.
وبناء على مذكرة للامم المتحدة حصل عليها موقع فايس الإخباري، جاء فيها أن الحكومة السعودية فرضت شروط لم يسبق لها مثيل على وكالات المعونة، مطالبة بأن تقتصر المساعدات فقط على المناطق التي توافق عليها السعودية وحصرها على السكان المدنيين السنة بالتحديد.
نحن ننزلق بفوضى إلى المجهول:
لقد رفعت السعودية انتهاكات وجرائم الحرب إلى مستوى جديد كليا. فيما لا يزال العالم يلتزم الصمت ويختبئ بأريحية وراء مزاعم وادعاءات بأن الحركة المقاومة للعدوان في اليمن تهدف في الواقع لتعزيز مصالح إيران في المنطقة.
حتى لو كانت هذه المزاعم صحيحة – وهي ليست كذلك – وحتى لو كانت إيران تشجع مقاومة اليمن للعدوان بفاعلية من أجل هزيمة المملكة واستعادة استقلالها بعيدا عن رجال الدين الوهابيين التابعين للملك سلمان، فهل يمكننا، ونحن في كامل وعينا، أن نبرر تحطيم حياة الملايين؟ هل نفكر جديا في الانحياز والدفاع عن العائلة الملكية ذاتها التي أهدت الإرهاب للعالم؟ قبل بضعة أسابيع، اعترف أحد كبار مشائخ الدين في المملكة العربية السعودية في برنامج تلفزيوني مباشر أن داعش (وتعرف أيضا باسم تنظيم الدولة) تتبع في الواقع وتنتمي للدين الرسمي للمملكة. هل فعلا ما زلنا واقعون تحت أي أوهام تتعلق بالطبيعة الحقيقية لروح المملكة العربية السعودية؟
عانت اليمن من مليون حالة وفاة مروعة. والأسوأ من ذلك أن اليمن تعاني من الإرهاب المخزي المتمثل في كون القوى العالمية جبانة جدا في مواجهة اللوبي المالي والسياسي السعودي.
يعمل الدكتور رياض كريم المؤسس المشارك لمنظمة منى للإغاثة، وهي واحدة من المنظمات الخيرية المستقلة القليلة الباقية في اليمن، بلا كلل من مكتبه في لندن في مسارين متوازيين احدهما معني بشريان الحياة الإنسانية والآخر برصد وحصر جرائم الحرب في اليمن.
يقول الدكتور كريم “يعمل فريقنا من المتطوعين في اليمن على مدار الساعة لمواجهة الحملة العسكرية السعودية البغيضة …، نحن نعيش أوقاتا صعبة بالفعل عندما يتم تغطية الحقيقة بثوب الكذب ومعاملة المجرمين كأبطال”.
ويضيف “قمنا حتى الآن بتوزيع أكثر من مليوني وجبة، ومساعدة عشرات الآلاف من الأسر من خلال تنظيم أسبوعي للوقوف ضد الحصار السعودي. لقد تلقينا تهديدات بالقتل، وتعرض فريقنا لأطلاق النار وتم استهداف قوافل المساعدات التابعة لنا من قبل مسلحي القاعدة بعد اكتشاف مواقفنا … لكننا لن نتوقف، ونرفض أن نتوقف! ”
بحجة “تحرير” اليمن، سمحت السعودية للخلايا الأصولية المتطرفة “الوهابية” بترسيخ نفسها عميقا في اليمن، ووضعت البلد في خطر كبير يتمثل في سيطرة الإرهاب.
سقوط اليمن في الإرهاب سيكون كارثي جدا لأن المتطرفون سيحصلون على منفذ إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا وسيمنحهم ذلك السيطرة على الطريق العالمي للنفط عبر باب المندب.
يحتاج المجتمع الدولي بشكل ملح إلى مراجعة صداقتة وعلاقاته مع المملكة العربية السعودية، مهد الوهابية وأكبر مروجي الإرهاب.
( موقع إيبيك تايمز الأمريكي، ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب)