استأذن …وانصرف ؟ ! (( 4 ))

ن ………….والقلم    
…كان هيكل مهنيا متميزا وصاحب حدس مهني إن صح التعبير , وأنظر ففي كل يوم ربما هي الصدفة التي تجعله يلتقي بالقمة المهنية الأخرى (( أحمد بهاء الدين )) , وبعد تبادل عبارات التحية المعهودة , يُبادر هيكل : يا أحمد بيه , خذ الورقة – يناوله – وأكتب عليها الرقم اللي أنت عايزه وتعالى الأهرام , يبتسم بهاء , ويدخلان في مواضيع أخرى , وتتكرر الحكاية , ذات صباح يلتقيان , وإذا بهيكل قد اتخذ خطوة إضافية , كانت في يده ورقة رسميه من أوراق مكتبه , يناولها بهاء : توقيعي عليها , خذها للبيت و ناقش الأمر مع المدام , وحط الرقم اللي يرضيك , يأخذها بهاء الدين , يتكلم مع زوجته الفاضلة حول الموضوع , ويكتب الرقم (( 500 )) جنيه , ويعيدها إلى هيكل , فلا يراها , يقول له فقط : خلاص يا أحمد أنا وقعت , أرسلها إلى الإدارة المالية , يعيد بهاء الدين الحكاية ضاحكا فيما بعد : يا ريت كُنت رفعت المبلغ !! , كان انضمام بهاء الدين إلى الأهرام كاسم كبير مكسب كبير أيضا , كان هيكل قد خصص مكتبا لنجيب محفوظ في مبنى الأهرام  , بعد أن أحيل محفوظ إلى التقاعد كموظف في الأوقاف وبـ (( 75 )) جنيها , فأتى به على الأهرام كاسم كبير جدا وقرر له (( 500  )) جنيه شهريا, كان في الأهرام أيضا توفيق الحكيم , وحسين فوزي , ولويس عوض . من التقاليد المهنية في الصحافة المصرية أن الصحفي عمليا لا يحال إلى التقاعد , فيخرج من رئاسة التحرير في الدار التي يعمل فيها , يٌخصص له مكتبا وسكرتارية ويتحول إلى كاتب عمود يومي , أو مقاله أسبوعية , والصحفي الذي لا يصل عمليا إلى رئاسة التحرير فيظل يترقى إلى أن يصل إلى السقف النهائي للصحفي (( رئيس تحرير في الأهرام )) وقد يكون محررا لصفحة بريد الأهرام , نحن لم يُؤسس أحدا لمثل تلك التقاليد العريقة , وما يزال الصحفي عمليا موظف يتبع الخدمة المدنية !! ويرفض الجميع حتى ((النكابة)) استيعاب هذا الأمر هنا !! للأسف الشديد !! . كان خريج قسم الصحافة من جامعة القاهرة يذهب إلى الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية , ويظل محرر بلا اسم لسنوات , كانت ميزة هيكل حدسه المهني , فيجيد وضع كل محرر في المكان الذي يجد نفسه فيه , لتراه مبدعا , ولذلك فعلي الدين هلال مثلا أحد تلامذة هيكل من الأهرام , وبطرس غالي اختاره هيكل رئيسا لتحرير مجلة السياسة الدولية !! جاء بعده عبدالملك عوده , السيد ياسين , أسامه الغزالي حرب , ووحيد عبد المجيد . ذات لحظة رأى أن جريدة بحجم الأهرام لا بد لمركز دراسات من أن يتبعها فكان وبدعم من عبدالناصر (( مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية )) ويكون حاتم صادق أول رايئس له , وإلى اليوم ما يزال بكادره المتميز يعطي , وتصدر عنه السياسة الدولية – ولم نعد نعلم هل ما تزال تصدر – والأهرام الاقتصادي , ودوريات عديدة وأبحاث ودراسات بدأت تغطي قضايا الصراع العربي الإسرائيلي ثم توسعت لتغطي دوائر عبدالناصر الثلاث, العربية والإسلامية والإفريقية , هنا بعض ملمح عن هيكل كإدارة صحفية , لم تتوفر لأنيس منصور يوم أن حاول السادات رحمهم الله أن يكون له هيكله , كان هيكل هيكل نفسه , وكان أنيس مفكرا فلم يستطع تكرار ظاهرة هيكل , ولم تصل مجلة أكتوبر إلى ذرى الأهرام التي ظلت إلى اليوم بترويستها القديمة كتقليد مهني لا نعلم نحن عنه شيئا ..سأعود أيضا إن لم تكونوا قد مللتم.

قد يعجبك ايضا