رحل الفارس وبَقِيت الخطيئة

سُمي بصديق الحكام وصانع الرؤساء وعرف طوال حياته المهنية الحافلة بآرائه الصائبة وتحليلاته الثاقبة ومواقفه القومية الأصيلة لكنه لم يرق يوما لحكام الخليج وأمراء النفط وظلوا يناصبونه العداء حتى آخر لحظات حياته.
إنه الكاتب الصحفي والمفكر السياسي العربي الكبير محمد حسنين هيكل الذي ذاع صيته حول العالم وكانت كتاباته السياسية تُترجم إلى سبع لغات وتُنشر في كبريات الصحف بمختلف القارات.
ولأنه كبير وعظيم ومثال رائع للإنسان العربي المسلم الأصيل الذي لايُشترى بالمال أو ممن تغريه المصالح المادية الضيقة فقد ظل وفيا لمبادئه منتصرا لقيم الخير والعدل والحرية حتى لقي ربه قبل أيام عن بضع وتسعين عاما قضاها في بساط صاحبة الجلالة ليترك إرثا صحفيا واعلاميا زاخرا قلً ما يوجد شبيها له في التاريخ العربي المعاصر.
كانت آخر المواقف المشرفة والحصيفة للراحل هيكل انتقاده الشديد لقرار شن العدوان على اليمن وكان من أوائل القائلين بأن هذا القرار امريكي بحت وانه يهدف لتدمير اليمن بأموال وأدوات عربية وهو ما أسفر عن تخريب ما بناه اليمنيون في مائة عام حسب الراحل الكبير الذي ظل على موقفه معارضا للعدوان ومنتقداً بشدة لقرار مشاركة بلاده في هذه المغامرة غير محسوبة العواقب والتي وصفها في أكثر من مرة وفي مختلف مراحل العدوان بالخطيئة التاريخية وبالإندفاع الذي يفتقر للرؤية والهدف على الرغم من كونه مستشارا للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
هذا الموقف الشجاع والاستثنائي في زمن النفط والدولار فتح على هيكل أبواب جهنم ولعب المال السعودي دورا كبيرا للنيل من هذه الهامة العربية الشامخة وتبارى الكتبة والمأجورون في بلدان وممالك رمال الصحراء في الاساءة والتطاول من قبل هؤلاء الأقزام الصغار واذا بهم يشنون على هذا المفكر العظيم حملات مسعورة ويصفونه بأقذع الصفات والألقاب دون أن تنال من مكانته شيئا بل زادت إلى رصيده الانساني الزاخر المزيد من العظمة والسمو والإكبار.
رحل هيكل وترجل فارس الكلمة الأشهر عن فرسه ليواري الثرى قرير العين لكن ما أسماها بالخطيئة التاريخية لاتزال سارية المفعول ولاتزال توغل في قتل الشعب اليمني وتدمير إنجازاته ومكتسباته.
ترجل الفارس هيكل تاركا تراثا عظيما سيظل دون شك حيا بين الأمم ونبراسا يهتدي به العاملون في مهنة البحث عن المتاعب جيلا بعد جيل.
رحمك الله ايها الفارس الأصيل وتقبلك في الصالحين من عباده في جنات النعيم ولانامت أعين الجبناء والمأجورين.
الفرصة الضائعة
ذات مساء من شتاء 2008م كنت في القاهرة مع الزملاء الاعزاء محمد القراري وعبدالناصر الهلالي واحمد الطيار ونزار الخالد ضمن وفد صحفي من مؤسسة الثورة للمشاركة في فعالية تدريبية عقدت هناك بإشراف صديق للراحل هيكل وهو الدكتور ابراهيم ابو السعود الذي كان على رأس فريق الإعداد للبرنامج التليفزيوني الشهير على قناة الجزيرة آنذاك “هيكل تجربة حياة” وقد أبدى ابو السعود تفاعلا مع طلبنا منه التنسيق لإجراء لقاء مع هيكل لكن عارضا صحيا ألًم بهيكل حال دون ذلك “وماتشاؤون إلاَّ أن يشاء الله رب العالمين”.

قد يعجبك ايضا